فقد شبه الشاعر هنا ثلاثة أشياء بثلاثة أشياء: شبه الساقي بالبدر، وشبه الخمر بالشمس، وشبه الحبب الذي فوقها بالكواكب.
...
بعد ذلك ينتقل ابن الأثير إلى الحديث عن الكناية والتعريض في موضع آخر من كتابه ذاكرا في مستهل حديثه أنّ علماء البيان من أمثال الغانمي وأبي هلال العسكري وابن سنان الخفاجي قد خلطوا الكناية بالتعريض، ولم يفرقوا بينهما، ولم يعرّفوا كليهما بتعريف يميزه عن الآخر.
وقبل أن يتعرض هو لتعريف كل منهما يورد تعريف علماء أصول الفقه للكناية وهو «أنّها اللفظ المحتمل»، أي أنها اللفظ الذي يحتمل الدلالة على المعنى وعلى خلافه. ويعقب ابن الأثير على هذا التعريف بأنّه تعريف فاسد، إذ ليس
كل لفظ يدل على المعنى وعلى خلافه بكناية، فقد يدل اللفظ على المعنى وعلى خلافه، وليس بكناية.
وتمهيدا لتحديد مفهوم الكناية عنده يقول ابن الأثير: «إنّ الكناية إذا وردت تجاذبها جانبا حقيقة ومجاز، وجاز حملها على الجانبين .... وأمّا التشبيه فليس كذلك، ولا غيره من أقسام المجاز، لأنّه لا يجوز حمله إلّا على جانب المجاز خاصة، ولو حمل على جانب الحقيقة لاستحال المعنى.
ألا ترى أنا إذا قلنا: زيد أسد، لا يصح إلّا على جانب المجاز خاصة، وذاك أنّا شبهنا زيدا بالأسد في شجاعته، ولو حملناه على جانب الحقيقة لاستحال المعنى، لأنّ زيدا ليس ذلك الحيوان ذا الأربع، والذنب، والوبر، والأنياب والمخالب، وإذا كان الأمر كذلك فحدّ الكناية الجامع لها هو أنّها كل لفظة دلّت على معنى يجوز حمله على جانب الحقيقة