للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمجاز بوصف جامع بين الحقيقة والمجاز» (١)، مثال ذلك قوله تعالى:

إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ، فكني بذلك عن النساء والوصف الجامع بينهما هو التأنيث، فالمعنى هنا يجوز حمله على جانب الحقيقة، كما يجوز حمله على المجاز.

ثمّ يعرض ابن الأثير بعد ذلك لاشتقاق لفظة «الكناية» مقررا أنّها قد تكون مشتقة من لفظة «الكنية» أو من الستر، إذ يقال كنيت الشيء إذا سترته.

كما يقرر أنّ الكناية ليست نوعا مستقلا من المجاز، وإنّما هي جزء من الاستعارة، لأنّ الاستعارة لا تكون إلّا بحيث يطوى المستعار له، وكذلك الكناية فإنّها لا تكون إلّا بحيث يطوى ذكر المكنّى عنه.

ونسبتها إلى الاستعارة نسبة خاص إلى عام، فيقال: كل كناية استعارة وليس كل استعارة كناية. هذا فرق بينهما، وفرق آخر هو أنّ الاستعارة لفظها صريح، والصريح هو ما دلّ عليه ظاهر لفظه، والكناية ضدّ الصريح، لأنّها عدول عن ظاهر اللفظ. فهذه فروق ثلاثة بين الاستعارة والكناية ذكرهما ابن الأثير: أحدهما الخصوص والعموم، والآخر الصريح، والثالث الحمل على جانب الحقيقة والمجاز.

وكما فرّق بين الكناية والاستعارة، فرّق أيضا بين الكناية والتعريض الذي عرفه بقوله: «هو اللفظ الدال على الشيء عن طريق المفهوم، لا بالوضع الحقيقي ولا المجازي»، فإذا قال قائل لمن يتوقع صلته ومعروفه بغير طلب: «والله إني لمحتاج، وليس في يدي شيء، وأنا عريان، والبرد


(١) كتاب المثل السائر ص ٢٤٧.

<<  <   >  >>