للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العقائد في ضوء المعرفة السائدة "يجب أن يتم المرة تلو المرة ما دامت معرفة الإنسان تنمو وحياته الاجتماعية تتغير" (١).

ولا شك أن هذه الاتجاهات سعت لإحداث تغيير جذري في النصرانية أكبر بكثير مما حاوله الإصلاح الديني السابق على يد لوثر وكالفان. وعمومًا تنسب نشأة حركة التجديد الحديثة في القرنين التاسع عشر والعشرين إلى ثلاثة عوامل رئيسة (٢)، فهناك أولًا: التقدم العلمي الهائل الذي أوجد تصورًا جديدًا للكون يخالف التصور القديم، ولما كان اللاهوت المسيحي قد اشتمل في صلب عقائده على نظريات عفا عليها الزمان فقد نشبت حرب عنيفة بينه وبين العلم الحديث. وهذا التباين والاختلاف بين اللاهوت والعلم الحديث يشتد ويزداد عندما ينشأ تسليم مطلق بقوة العلم الحديث ومنهجه، وافتراضاته والفلسفات الجديدة التي تصاحبه، ومن أجل التوفيق بين المعارف الجديدة وعقائد الدين انبرى رجال الدين أنفسهم لإعادة تأويل هذه العقائد على ضوء العلم والفلسفات الحديثة.

والعامل الثاني الفعال الذي دفع بهذه الحركة للظهور هو استخدام منهج النقد التاريخي في نقد التوراة والإنجيل، فقد أخضعا لمقاييس البحث التي أخضعت لها كل الكتابات والمخطوطات التاريخية القديمة، وجرت محاولات لاكتشاف التناقضات في رواياتها والاختلافات في أسلوبها ومن ثم برز السؤال هل هي كتب مقدسة موحاة من الله أم هي من وضع بشر؟ ومن مؤلفوها ومتى ألفت؟ وقد شاركت مجموعة من اللاهوتيين في هذه البحوث وسلموا بنتائجها، واستخدموها في صالح الدعوة إلى تعديل العقائد في ضوء المعرفة الجديدة.

العامل الثالث الذي كان له أثره أيضًا هو توسع الدراسات الدينية المقارنة، فقد اتجهت الأبحاث إلى دراسة أديان الإغريق والمصريين، وأديان الهند وأديان المجتمعات البدائية في أفريقيا وآسيا، ونشأت نظريات وفلسفات عن أصل وتطور الدين وقد دعمت هذه الدراسات نقد الكتاب المقدس المسيحي، إذ بدا مماثلًا من جهات كثيرة للآداب المبكرة والكتب المقدسة عند الشعوب الأخرى، وتدعمت أكثر وجهة النظر الداعية إلى إجراء التعديلات على تعاليم الدين.


(١) "تكوين العقل الحديث" جون راندال ٢/ ٢١٧.
(٢) المصدر نفسه ص ٢٢٠ و ٢٤٠؛ Moor, G. H,History of religions p.٣٧٧.