للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك قضية أخرى، ولكن الذي تتأكد أهمية إبرازه من هذه العبارة هو مطابقتها للمعنى اللغوي للتجديد بالتصورات الثلاثة التي تصاحب هذا المعنى (١).

ويمكن صياغة تعريف للتجديد من عبارة أبي سهل الصعلوكي هذه على النحو التالي:

"تجديد الدين هو إعادته إلى ما كان عليه في عهد السلف الأول"؛ ولكن كما هو واضح أن هذا هو المعنى العام للتجديد، ولا بد لهذا العموم من تفصيل، وقد تباينت وجهات نظر السلف لهذا التفصيل، وإن كانت كلها لا تخرج عن هذا الإطار العام.

[تفصيل معنى التجديد]

جاء في أحد النقول أن معنى تجديد الدين هو إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسُّنَّة والأمر بمقتضاهما (٢)، وهذا القول يفصح ابتداء أن هناك اندراسًا وإحياءً. ودرس الشيء؛ يعني: أنه محي وعفا أثره، فالتجديد هو الإحياء بعد الدروس والذهاب، ولا أريد أن أكرر القول في هذا المعنى. ولكن الذي يضيفه هذا القول هو ماذا يندرس وماذا يحيا، فالذي يندرس هو الكتاب والسُّنَّة والعمل بهما، ولهذا قلت: إن هذه العبارة هي كالتفصيل لمعنى إعادة الدين، فهي لا تكتفي فقط بالإشارة إلى أن هناك نقصًا في الدين وأن تجدده؛ يعني: إحياء وإعادة ما نقص، ولكنها تذهب إلى تفصيل ذلك.

والكتاب والسُّنَّة هما أصل الدين، ويمكن القول إن الدين هو مجموع العلم بالكتاب والسُّنَّة والعمل بهما. ويشمل العلم بنصوصهما وألفاظهما، والعلم بمعاني تلك النصوص والألفاظ. ومن البداهة القول إن العمل يستند على هذا العلم. ومن هذا فإن ما يندرس من الكتاب والسُّنَة بهذا الاعتبار ثلاثة أمور: نصوص الكتاب والسُّنَّة أو معاني تلك النصوص أو العمل بها.

أما النصوص فلا شك أن بقاء أي دين إنما هو ببقاء نصوصه الأصلية، وإذا لم يكن هناك اطمئنان إلى صحة هذه النصوص ونسبتها إلى مصادرها الأُوَل


(١) "تبيين كذب المفتري" ابن عساكر ص ١١ من هذا البحث.
(٢) انظر: "عون المعبود شرح سنن أبي داود" شمس الحق آبادي ١١/ ٣٨٦.