للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نقد فقه العصرانية]

أنتجت آراء العصرانية الأصولية وموقفها من الحديث وموقفها من التفسير فقهًا متميزًا، يهدف في معظمه إلى تسويغ الواقع المعاصر، وإدخال كثير من القيم الغربية في صلب الإسلام. وقد مرت بنا أمثلة كثيرة من هذا الفقه في الفصلين الثاني والثالث. ولا يتسع المقام هنا لنقد كل تلك المسائل التفصيلية من هذا الفقه ولكننا نعرض هنا بعض الآراء المعاصرة عن بعض المسائل التي تشغل بال العصرانية في مجال المرأة والحدود والجهاد، ونعرضها من وجهة نظر مدرسة التجديد السُّنِّي المعاصرة، وبأحد أقلامها المشهورة قلم المودودي.

حدود نشاط النساء في الدولة الاسلامية:

ليس للدولة الإسلامية أن تعمل شيئًا في أمر من أمور الدنيا بالعدول عن مبادئ الإسلام وأحكامه، وليس لها أن تفكر في ذلك إذا كان القائمون بأمرها أناسًا يؤمنون بالإسلام، ويتبعون مبادئه وأحكامه عن صادق العزيمة وخالص النية. ومن أحكام الإسلام فيما يتعلق بأمر النساء: أن المرأة تساوي الرجل في الكرامة والشرف والاحترام، كما لا فرق بينهما باعتبار المستوى الخلقي، ولا باعتبار الأجر والمثوبة في الآخرة، ولكن ليس لنشاطهما دائرة واحدة. فالسياسة وإدارة الحكومة والخدمات العسكرية وما إليها من الأعمال لا علاقة لها إلا بالرجل ولن يكون من نتيجة إقحام المرأة في هذه المجالات سوى أن تنهار حياتنا العائلية بمعنى الكلمة -وهي حياة تتحمل معظم تبعاتها المرأة- أو أن نحملها أثقالًا مضاعفة حيث أنها تقوم بواجباتها الفطرية -وهي واجبات لا قبل للرجل بمشاركتها فيها أبدًا- مع تحملها شطر واجبات الرجل أيضًا. وبما أن ليست الصورة المؤخرة الذكر بميسورة فعلًا، فلابد أن تواجهنا الصورة المقدمة الذكر، وهي التي قد واجهها الغرب حين أقحم المرأة في دائرة نشاط الرجل، فليس من العقل في شيء أن نحاكي غيرنا حتى في سفاسف الأمور.

والإسلام من حيث المبدأ عدو للبيئة الخليطة بالرجال والنساء. ولا نظام في الدنيا يرحب بها ويرضى بها، إن كان في نظره أدنى أهمية لتماسك نظام الأسرة، وقد ظهر للمجتمع المختلط في بلاد الغرب أشنع وأقذر ما يكون من النتائج، أما إذا كان الناس في بلادنا يجدون من نفوسهم استعدادًا لمكابدة هذه