بعد تحديد معنى التجديد والإشارة لمضمونه، يمكن أن تذكر بعض الضوابط التي تجعل المعنى الصحيح للتجديد لا يلتبس بالمعاني الخاطئة التي قد يلصقها بعضهم بمفهوم التجديد، والتي سيأتي إن شاء الله تفصيل كامل لها في الباب الثاني من هذا البحث. وهذه الضوابط مأخوذة من معاني التجديد المذكورة سابقًا، ومندرجة تحت مضامينها، ولكنها أفردت بالبحث زيادة في التوضيح وتأكيدًا لمفهوم التجديد.
الاعتماد على النصوص الموثقة:
يأتي في مقدمة ضوابط التجديد، اعتماده في فهم الدين والسعي لإحيائه، على نصوص صحيحة موثقة معتمدة. ولقد تعهد الله تعالى بحفظ نصوص القرآن، إذ قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر: ٩]، فلم يدخل في حروفه تحريف ولا زيادة ولا نقص، مثل ما حدث للكتب السابقة التي وكل أمر حفظها لأهلها كما قال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ}[المائدة: ٤٤]، فضيعوها وحرّفوها (١). أما القرآن فلم يدخله تحريف، وقد أجمعت الأمة بجميع طوائفها على ذلك. وإن كان قد طعن في القرآن بعض الطاعنين قديمًا وحديثًا بشبهة التحريف والنقص، إلا أن ما قالوه ليس إلا ظنونًا وأوهامًا لا يقوم عليها دليل. فمن أولئك غلاة الشيعة الإمامية الذين ادعوا في بعض كتبهم زيادات ونقصًا، رووها بروايات ضعيفة غير ثابتة، ردها وفنَّدها كثير من العلماء منهم بعض علمائهم المعتبرين. يقول الطبرسي -مثلًا- في "مجمع البيان" ما نصه: "أما الزيادة في القرآن فمجمع على بطلانها وأما النقصان فهو أشد استحالة". ثم قال: "إن العلم بصحة نقل القرآن؛ كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة، فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حد لم يبلغه شيء فيما ذكرناه؛ لأن القرآن مفخرة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية