كتب أصول الفقه قديمها وحديثها مشحونة بسوق الآراء والأدلة عليها والترجيح بينها.
٣ - وقد يكون المقصود بالاجتهاد توسيع وتفصيل بعض القواعد التي بحثها علم أصول الفقه. وقد أوضح هذا المعنى أحد الذين تناولوا هذا الموضع فقال:". . . وهناك مسائل تتعلق بالأصول تحتاج إلى مزيد إيضاح وتفصيل، من ذلك تقسيم السُّنَّة إلى تشريعية وغير تشريعية. . . ومن ذلك الإجماع إذا كان مبنيًا على أمر مصلحي زمني قابل للتغير والتطور بتغير الزمان والمكان والحال. . . وهذا يجر إلى قضية أخرى، وهي قضية تغير الأحكام أو تغير الفتوى بتغير الأزمان، وما ينبغي أن يوضع لها من حدود وضوابط. . . إلى غير ذلك من القضايا والموضوعات التي يكشف عنها طول البحث والنظر في الفقه وأصوله، وتطبيقاته في هذا العصر. . . وهذا كله يفسح الميدان لدعاة الاجتهاد ولو كان في أصول الفقه ذاتها"(١).
ولما كانت القضايا المثارة تحت هذا المعنى للاجتهاد في أصول الفقه، تستحق مزيدًا من الفحص والتمعن حتى تسفر الحقيقة عن وجهها، ويتضح ما إذا كانت الدعوة للاجتهاد صادقة أم كاذبة، كان لابد من إخضاع هذه القضايا للبحث. فإذا ظهر أن هناك اجتهادًا معاصرًا في هذه المسائل، كان الاجتهاد في أصول الفقه أمرًا واقعًا، وإن ظهر أن دعوى الاجتهاد في هذه الأمور لا تقوم على أساس، اتضح أن إمكان الاجتهاد في أصول الفقه لا يعدو أن يكون إمكانًا نظريًا بحتًا حتى الآن.
السُّنَّة التشريعية وغير التشريعية:
يقوم مبدأ تقسيم السُّنَّة إلى تشريعية وغير تشريعية على مبدأ التمييز بين بشرية الرسول ونبوته. ومن القضايا التي تلتقي فيها العصرانية في الشرق والغرب يهوديها ونصرانيها ومسلمها هذه القضية، التي يعبر عنها أحيانًا بمبدأ التمييز بين ما هو إلهي Divine وبشري Human في الدين. ولعل لليهود والنصارى عذرهم
(١) "نظرات في العدد الأول" يوسف القرضاوي ص ١٣٨، مجلة المسلم المعاصر، العدد الأول والثاني (ربيع الأول ١٣٩٥ هـ).