الفروع وحدها، وإنما في الأصول كذلك، وكم من مسألة تواجه المسلمين اليوم، فإذا بحثوها وأعملوا الجهد طلبًا لحكم الإسلام فيها، أفضى بحثهم إلى وقفة مع الأصول. . . وليس ما تردده الكثرة الغالبة من المعاصرين، من امتناع الاجتهاد في الأصول، إلا التزامًا بما لا يلزم وتقصيرًا في بذل الجهد بحثًا عما ينفع الناس" (١).
وحتى لا يضيع الفكر في متاهات من التعميمات، فإن الخطوة الأولى لتلمس الحقيقة في هذا الموضوع الخطير، تبدأ بتحديد ما المقصود بالاجتهاد في أصول الفقه.
قد يكون المقصود من ذلك عدة أمور نجملها فيما يلي:
١ - استحداث قواعد جديدة في أصول الفقه لم تكن معروفة من قبل ولم يصل إليها السابقون. وهذا هو المعنى المتبادر عادة من كلمة اجتهاد بمعناها الاصطلاحي إذ أن الاجتهاد في الفقه عادة ينصرف إلى استنباط أحكام جديدة للحوادث الطارئة.
فإذا كان هذا هو المقصود من الاجتهاد في أصول الفقه، فأين هذه القواعد الجديدة المستحدثة؟ فبدلًا من إثارة الضجيج وضرب الطبول عن إمكان الاجتهاد أو عدم إمكانه، فمن كانت عنده قواعد جديدة فليأت بها، وليطلع العالم عليها وحينئذ فقط تتحقق إن كانت هي بحق قواعد علمية تقوم على الدليل والبرهان، أم أنها محض تخرصات وأهواء شخصية. وفيما أعلم لا أحد قدم قواعد جديدة.
٢ - وقد يكون المقصود من الاجتهاد عدم التقليد في أصول الفقه، بمعنى أنه لا تقبل الآراء فيه إلا بحجة ودليل، حتى لو أثبتها الأوائل، ويظل الباب مفتوحًا للترجيح بين الآراء المتنازع فيها والمختلف فيها.
ولا ريب أن هذا معنى صحيح وهل يخطر ببال كل ذي عقل أن الاستمساك بتقليد آراء الرجال والإذعان لها دون حجة ودليل أمر محمود؟ لا أظن أحدًا من الأوائل دعا إلى ذلك ولا يرتضيه أحد من المعاصرين. وهذه هي
(١) "مواجهة مع عناصر الجمود في الفكر الإسلامي المعاصر" ص ٢٥٧ - مجلة العربي عدد ٢٢٢ مايو ١٩٧٧ م.