الذي نشأ منه المصطلح، واتجه إلى جذور كلمة التجديد في اللغة واستعمالات القرآن والحديث لهذه الكلمة. ولا ريب أن مفهوم التجديد السليم هو الذي كان يقصده النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أعلن لأصحابه -رضوان الله عليهم- عن نبوءة بعث مجدد لكل قرن، وأحق الناس بتوضيح هذا المفهوم هم السلف الذين تلقوا هذا الحديث ونقلوه للأجيال اللاحقة لفظًا ومعنى. ولهذا كانت الخطوة الثانية في هذا البحث أن أجمع ما عسى أن يوجد من أقوال في عصور السلف عن التجديد، ومن تعريفاتهم وآرائهم يمكن أن يتضح لنا مجمل تصورهم لحقيقة التجديد ومَن المجدد. والمصدر الثاني لمعرفة ماهية التجديد أن ننظر في أعمال وجهود من سمَّاهم المؤرخون مجددين، وبتحليل ما قاموا به من أعمال وتصنيفها يزداد معنى التجديد ومجالاته ظهورًا ووضوحًا.
ومن المفاهيم الشائعة للتجديد مفهوم نشأ في هذا العصر نتيجة لمواجهة الدين لحضارة الغرب اللادينية. فقد نشأت في الغرب في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي حركة لتجديد الدين وتطويره ليكون ملائمًا لمتغيرات العصر. وقد نشأت هذه الحركة داخل شقي النصرانية: الكاثوليكية والبروتستانتية، وأطلق على هذه الحركة في الغرب اسم العصرانية (modernism)، كما شهدت اليهودية اتجاهات متماثلة في الفكر والمبادئ والأهداف. وفي العالم الإسلامي أدى الصراع بين الإسلام والحضارة الغربية إلى ظهور نزعات متشابهة لتلك التي ظهرت في الغرب.
فما هي العصرانية؟ وما مفهوم التجديد الذي تطرحه؟
لقد اقتضت الإجابة على ذلك تتبع تاريخ الحركة في الغرب، وفي اليهودية والنصرانية، ثم رصد أفكار القادة والكُتَاب الذين حملوا لواء الفكرة من المسلمين.
وبعد عرض آرائهم جاء النقد والتقويم وبيان مواضع الخطأ والصواب. وهكذا انقسم البحث إلى ثلاثة أبواب: باب عن المفهوم السُّنِّي للتجديد، وباب عن مفهومه عند العصرانية، وباب في نقد هذا المفهوم العصراني، مع مقدمة وخاتمة. وتحت كل باب من هذه الأبواب فصول بيانها كالآتي: