للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالإصلاحات التركية التي لا يماري أحد أنها كانت حركة تغريب وقعت فيما خشي منه إقبال نفسه، وهو الانبهار بالمظهر الخارجي للحضارة الغربية، ولكن إقبال كان يعتبرها حركة "اجتهاد" لإعادة بناء الشريعة من جديد على ضوء الفكرة والخبرة في العصر الحديث، ويصفها بأنها أكثر اتفاقًا مع روح الإسلام (١).

ويشيد بالطريقة التي يمارس بها التركي "الاجتهاد" في قضاياه السياسية والدينية مستوحيًا على النحو الذي يفعله حقائق التجربة وحدها، لا التفكير الفلسفي المدرسي لفقهاء عاشوا وفكروا تحت ظلال أحوال من الحياة متباينة (٢)، ويقول: إن نهضة الإسلام المرتقبة لابد أن تحذو المثال التركي وأن تفعل ما فعله الترك فتعيد النظر في تراث الإسلام العقلي (٣).

ويستطرد للقول: إن معظم الأمم الإسلامية اليوم يكررون القول بالقيم التي قال بها السلف بطريقة آلية، أما تركيا فهي الأمة الإسلامية الوحيدة التي نفضت عن نفسها سبات العقائد الجامدة، واستيقظت من الرقاد الفكري وهي وحدها التي نادت بحقها في الحرية العقلية وهي وحدها التي انتقلت من العالم المثالي إلى العالم الواقعي، وهذه النقلة وهذه الحياة الجديدة الفسيحة الأرجاء المفعمة بالحركة، لابد أن تستحدث لتركيا مواقف توحي بآراء جديدة وتقتضي تأويلات مستحدثة للأصول، والمبادئ، تلك الأصول والمبادئ التي كانت لها قيمة نظرية فقط عند قوم لم يمارسوا الانفتاح (٤).

من هذه الآراء تتكشف معالم التجديد الذي يدعو إقبال الأمم الإسلامية إليه، فالتغير والحركة والنمو الذي يصيب العالم الإسلامي من اتجاهه نحو الغرب، يقتضي إعادة النظر في التراث وإعادة بناء الشريعة من جديد على ضوء الفكر والتجربة المعاصرة، واستحداث تأويلات جديدة للمبادئ والأصول. وهذه هي معالم العصرانية (Modernism) بعينها فهل كانت تلك حقًا هي أفكار إقبال؟ وهل كان حقًا يدعو إلى هذا النوع من التجديد؟


(١) "تجديد التفكير الديني" إقبال ص ١٤، والطبعة الإنجليزية. ١٥٧. P
(٢) المصدر نفسه ص ١٨٢، والإنجليزية. ١٥٨. P
(٣) المصدر نفسه ص ١٧٦، والطبعة الإنجليزية. ١٥٣. P
(٤) المصدر نفسه ص ١٨٦، والطبعة الإنجليزية P,١٦٢.