للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الميول العقلية التي رمت إلى التوفيق بين الحياة والفكر الإسلاميين، وبين مطالب الحضارة الغربية التي نفذت إليهما، شايعها على الأخص المستنيرون من مسلمي الهند، وعضدوا نشاطها الاجتماعي والأدبي، وساهموا في جهودها الخصبة المنتجة، فالسيد أمير علي والسير سيد أحمد خان بهادور وأضرابهما من الشخصيات البارزة الأخرى في العالم الإسلامي، كانوا قادة هذه الحركة الروحية، التي ترمي إلى إحياء الإسلام وإعادة تنظيمه.

وقد تحققت نتائج هذه الحركة في الحياة الروحية الجديدة للإسلام الهندي، الذي يتقدم شيئًا فشيئًا في همة ومثابرة، وهو إسلام عقلي حكم هؤلاء المستنيرون عقولهم في فهم تعاليمه، متأثرين بالتيارات الفكرية في المدنية الحديثة، ومال أشياع الماضي المستمسكون به إلى تسمية هذه الجهود بالاعتزال الجديد.

وهذه الروح العصرية التي بدأ ظهورها في الهند قد أثرت في التفكير الديني في البلاد الإسلامية الأخرى، مصحوبة بغيرها من المؤثرات، ومع ذلك فالأثر الهندي لا يزال ضعيفًا إلى اليوم. ومن البلاد الإسلامية التي تأثرت بنزعة التجديد مصر وتونس والجزائر والأقطار التتارية الخاضعة للحكم الروسي.

وعلى كل حال فإن الجهود التي بذلها المسلمون في البقاع الإسلامية المختلفة للأخذ بأسباب الحضارة، واتصال هذه الجهود بحياتهم الدينية اتصالًا وثيقًا، لما يعدهم إلى مرحلة جديدة في تطور الإسلام فيعمدوا في المستقبل نتيجة لهذه المحاولات إلى أن ينتقدوا مصادر الفقه والعقائد الإسلامية نقدًا تاريخيًا علميًا" (١).

وكان جولد تسيهر في بداية فصله هذا، قد تحدث عن الطريقة التي يتطور بها الإسلام وتصوره عن كيف أمكن ويمكن للشريعة أن تواجه التطور وتحول الظروف وتغيرها، بعد أن يقرر أنه "ليس من الصواب أن نعد الجمود وعدم القابلية للتغيير من الصفات اللازمة للشريعة الإسلامية". وفي رأيه أن من أوائل هذه الطرق "فتح ثغرة في حصن السُّنَّة المنيع"، حين يتعذر على المسلمين "أن يتقيدوا بالفكرة السُّنِّية المتشددة التي يعدونها المعيار الأوحد للحق والقانون" (٢).


(١) "العقيدة والشريعة في الإسلام" جولتسيهر ص ٢٩٠.
(٢) المصدر نفسه ص ٢٥٣.