للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أولها: أن الشيء قد كان في أول الأمر موجودًا وقائمًا وللناس به عهد.

وثانيها: أن هذا الشيء أتت عليه الأيام فأصابه البلى وصار قديمًا خلقًا.

وثالثها: أن ذلك الشيء قد أعيد إلى مثل الحالة التي كان عليها قبل أن يبلى ويخلق. فقد جاء صريحًا في النقول السابقة أن الجديد نقيض الخلق، وأن الجِدّة نقيض البلى، فيكون معنى جدد الشيء صيَّره جديدًا غير خلق ولا بال. فهناك ثلاثة عناصر: شيء بال وخلق، قد كان غير بال ولا خلق، يجدد بأن يعاد إلى مثل حالته الأولى.

وتزيد الأقوال المذكورة هذا المعنى وضوحًا، فقولهم: "بلي بيت فلان ثم أجد بيتًا من شعر"، ففلان هذا قد كان له بيت، فصار قديمًا وقد يكون تهدم بعضه، فاستحدث بيتًا مثله. وقولهم لمن لبس ثوبًا جديدًا: أبل وأخلق، رغبة له أن يعيش فيبلي ما لبسه من ثوب، ثم بعد أن يبلى ويخلق، يجدد باتخاذ ثوب آخر مثل الثوب الأول نوعًا وجنسًا.

أما قولهم جدد الوضوء، وجدد العهد، فهو أظهر في الدلالة على أن التجديد يتضمن معنى الإعادة، فتجديد الوضوء يعني إعادته وتجديد العهد هو تكراره تأكيدًا.

كلمة (جديد) في القرآن:

لم يأت في القرآن لفظ جدد أو لفظ التجديد، ولكن قد جاءت فيه كلمة جديد، وسيفيدنا استعمال القرآن الكريم لهذه الكلمة في استجلاء معنى التجديد.

من الآيات في ذلك قوله تعالى: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (٥٠) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء: ٤٩ - ٥١]. فهؤلاء يقولون إنهم لن يكونوا خلقًا جديدًا، أو بعبارة أخرى لن يجدد خلقهم بعد أن يبلوا ويصيروا عظامًا مفتتة مكسرة -والرفات في اللغة هو ما تكسر وبلي من كل شيء- فيقول الله -عز وجل- ردًا عليهم: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (٥٠) أي: لو كنتم حجارة أو حديدًا لأعادكم كما بدأكم ولأماتكم ثم أحياكم. قال مجاهد: المعنى كونوا ما شئتم فستعادون (١).


(١) "تفسير القرطبي" ١٠/ ٢٧٤.