للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومبدأ تقسيم السُّنَّة إلى تشريعية وغير تشريعية من المبادئ الهامة عند سيد خان، وقد نقلنا هذا الرأي من قبل عنه، وقلنا: إنه حتى الأحاديث التي يقبلها وتصح فيها شروطه فهو يقسمها إلى قسمين: أحاديث خاصة بالأمور الدينية وأحاديث خاصة بالأمور الدنيوية، فالأحاديث في دائرة أمور الدين هي الملزمة عنده وعلى المسلمين أن يستمسكوا بها، أما الأحاديث في أمور الدنيا فهي غير داخلة في مهمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مطلقًا، ويرى أن كل ما جاء في هذا المجال فهو خاص بظروف العرب وحالتهم في زمان النبوة، وتشمل الأمور الدنيوية كل المسائل السياسية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية، أما أمور الدين فهي تختص فقط بالعقائد والعبادات (١).

ولا ينفرد سيد خان بتوسيع دائرة السُّنَّة غير التشريعية إلى الحد الذي شرحناه، بل يشاركه في هذا الرأي آخرون، وهذا يدل على مدى خطورة هذا المبدأ، إذ إنه عمليًا ينتهي إلى حصر الدين في مجموعة العقائد والعبادات فقط. يقول أحمد كمال أبو المجد: "إن كثيرًا من أقواله وأفعاله (يعني: الرسول - صلى الله عليه وسلم -) قد صدرت عنه بحكم تلك البشرية، دون أن يكون المقصود منها التشريع وتقرير الأحكام الملزمة للناس من بعده" (٢)، وفيما يبدو أن هذا رأي محمد سليم العوا في بحثه لهذا الموضوع (٣).

فما هي الحجج التي تساق لتقسيم السُّنَّة إلى تشريعية وغير تشريعية؟

يعتمد أصحاب هذا الرأي على عدد من الأدلة والحجج، ونناقش فيما يلي ما أورده الشيخ خلاف فيما نقل عنه قبل قليل، وما يورده غيره.

الحجة الأولى: أفعال الرسول الجبلية:

يقال: إن من السُّنَّة غير التشريعية ما صدر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أفعال بمقتضى جبلته البشرية وطبيعته الإنسانية، مثل حركات الجسم وتصرفات الأعضاء، أو القيام أو القعود في بعض المواطن أو في بعض الأزمنة اتفاقًا؛


(١) "علم أصول الفقه" عبد الوهاب خلاف ص ١٣٣ من هذا البحث.
(٢) "الخيط الرفيع بين التجديد في الإسلام والانفلات منه"، مجلة العربي ص ١٦، ع ٢٢٥ أغسطس ١٩٧٧ م.
(٣) انظر المصدر نفسه ص ١٩٠ من هذا البحث.