للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ممن هو على ظهر الأرض أحد" (١). فمن الواضح أن المراد برأس المائة في هذا الحديث هو آخر المائة سنة، ولا يفهم من ذلك بحال أن المراد أولها. وكذلك الحديث الذي أخرجه الترمذي في الشمائل عن أنس: "بعثه الله رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفاه الله إلى رأس ستين سنة" فالمقصود بذلك آخر المدة المذكورة. وعلى هذا الفهم استقر رأي جمهور السلف (٢). وفي نظري أن الرأي الذي يخالف هذا ويذهب على أن المراد برأس القرن أوله خلاف لا طائل تحته، إذ أنه مما لا شك فيه أن نهاية أي قرن هي بداية لقرن آخر (٣).

وكذلك استقر رأي السلف على أن حساب المائة سنة يكون باعتبار التاريخ الهجري، وبالرغم من أن الحديث محتمل لتفسيرات أخرى، فقد كان من الممكن أن يبدأ حساب المائة سنة من وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو من بعثته أو حتى من مولده (٤). وبخاصة أن الحديث سابق لاستخدام التاريخ الهجري المعروف.

وهناك رأي بأن تحديد وقت بعث المجدد برأس المائة ليس المراد منه التخصيص وإنما قد ذكر اتفاقًا، وعلى هذا الرأي يمكن أن يكون المجدد في أول المائة أو وسطها أو آخرها، وبخاصة أنه قد يكون في أثناء القرن من هو أفضل وأحق بلقب المجدد ممن هو في رأس القرن، ولو كان هذا الرأي مستندًا إلى دليل صحيح لكانت دائرة التجديد أوسع، ولدخل كثير من العلماء ممن لم يدركوا رأس المائة في أعداد المجددين، ولكن لم يقتنع بوجاهة هذا الرأي أحد ولم يجد له أصحابه دليلًا يسنده (٥).

وإذا كان ذكر رأس المائة أو نهاية القرن مقصودًا به التحديد، وهو لا ريب المقصود، إذ أنه لا توجد قرينة تجعل هذا التوقيت قابلًا للاحتمالات المختلفة، فما المراد من بعث المجدد عند نهاية القرن؟


(١) "صحيح البخاري"، باب السمر في العلم ١/ ٥٥.
(٢) "عون المعبود" ١١/ ٣٨٩.
(٣) من الطريف أن يعتقد بعض الناس أن المراد برأس القرن اليوم الأول من السنة الأولى في القرن الجديد!.
(٤) المصدر نفسه ص ٣٨٩.
(٥) المصدر نفسه ص ٣٩٠.