للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما الحميد (١): فلم يأت إلا بمعنى المحمود، وهو أبلغ من المحمود، فإنَّ فعيلًا إذا عُدِل به عن مفعول دلَّ على أنَّ تلك الصفة قد صارت مثل السَّجِيَّة والغريزة والخُلُق اللَّازم، كما إذا قلت: فلان ظريف أو شريف أو كريم، ولهذا يكون هذا البناء غالبًا مِن فَعُلَ بوزن شَرُفَ، وهذا البناء من أبنية الغرائز والسَّجايا اللازمة؛ ككَبُرَ وصَغُرَ وحَسُنَ ولَطُفَ، ونحو ذلك.

ولهذا كان "حَبِيْب" أبلغ من محبوب، لأنَّ الحبيب هو الذي حصلت فيه الصفات والأفعال التي يُحَب لأجلها، فهو حبيب في نفسه، وإن قدر أن غيره لا يُحِبُّه لعدم شعوره به، أو لمانع (٢) منعه من حُبِّه. وأما المحبوب فهو الذي تعلَّق به حُبُّ المحِبّ، فصار محبوبًا بحبِّ الغير له. وأما الحبيبُ فهو حبيب بذاته وصفاته، تعلَّق به حُبُّ الغير أو لم يتعلق، وهكذا الحميد والمحمود.

فالحميد هو الذي له من الصفات وأسباب الحمد ما يقتضي أن يكون محمودًا وإن لم يحمده غيره، فهو حميد في نفسه. والمحمود من تعلَّق به حمد الحامدين، وهكذا المجيد والمُمَجَّد، والكبير والمُكَبَّر، والعظيم والمُعَظَّم. والحمد والمجد إليهما يرجع الكمال كله، فإن الحمد يستلزم الثناء والمحبة للمحمود، فمن أحببته ولم تثن عليه، لم تكن حامدًا له، وكذا من أثنيْتَ عليه


(١) انظر: شرح أسماء الله الحسنى للزجاج ص ٥٥، وشأن الدعاء للخطابي ص ٧٨.
(٢) في (ب) (أو المانع من حبّه).

<<  <  ج: ص:  >  >>