الْكَوْثَرَ (١)﴾ [الكوثر: ١]، فإن المقصود إخباره لرسوله ﷺ بما خصَّه به، وأعطاه إيَّاه من الكوثر، ولا يتمُّ هذا إلا بذكر المفعولين، وكذا قوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨)﴾ [الإنسان: ٨]، وإذا كان المقصود أحدهما فقط اقتصر عليه، كقوله تعالى: ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [المائدة: ٥٥]، المقصود به أنهم يفعلون هذا الواجب عليهم ولا يهملونه، فَذَكَرَه لأنه هو المقصود، وقوله عن أهل النار: ﴿لمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤)﴾ [المدثر: ٤٣ - ٤٤]؛ لما كان المقصود الإخبار عن المستحق للإطعام أنهم بَخِلُوا عنه، ومنعوه حقَّه من الإطعام، وقَسَتْ قلوبهم عنه، كان ذِكْرُه هو المقصود دون المطعوم.
وتدبَّر هذه الطريقة في القرآن وذكره للأهمِّ المقصود، وحذفه لغيره، يُطْلِعَك على باب من أَبواب إعجازه، وكمال فصاحته.
وأما فعل التَّرك فلا يُشْعِر بشيء من هذا ولا يُمْدَحُ به، فلو قلت: فلان يترك؛ لم يكن مفيدًا فائدة أصلًا، بخلاف قولك: يُطْعم ويُعْطي ويَهَبَ ونحوه، بل لابدَّ أن تذكر ما يَتْرك، ولهذا لا يقال: فلان تارك. ويقال. مُعْط ومُطْعِم، ومن أسمائه سبحانه:"المعطي"، فقياس "ترك" على "أعطى" من أفسد القياس.
و ﴿سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (٧٩)﴾ جملة محكية. قال الزمخشري: ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨)﴾ [الصافات: ٧٨] من الأمم، وهذه الكلمة وهي: ﴿سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ﴾ يعني يسلمون عليه تسليمًا، ويدعون له، وهو من الكلام المحكي، كقولك: قرأت: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا﴾ [النور: ١].