المسجد أخبره بالآية قبل أن يخرج الرجل الأخرى، وأهل الحديث رحمهم الله يروون هذا الحديث على وجه آخر، فإنهم يروون عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه كان يصلي في المسجد إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدغاه، فلما فرغ من صلاته جاء فقال صلى الله عليه وسلم: ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ أما تدري قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ... ) قال كنت في الصلاة يا رسول الله، عليك السلام، فقال صلى الله عليه وسلم ألا أنبئك بسورة أُنزلت عليَّ ليس في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها، فقلت نعم، فقال صلى الله عليه وسلم لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بها، ثم شغله وفد عني، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج جعلت أمشي معه وأقول في نفسي لعله نسي يمينه، فلما أخرج إحدى رجليه قلت السورة التي وعدتني يا رسول الله، فقال ماذا تقرأ في صلاتك؟ قلت أم الكتاب، قال صلى الله عليه وسلم، نعم، إنها هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيت، ليس في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها.
وفائدة الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أخبره بعد إخراج إحدى الرجلين للتحرز عن خلف الوعد، فإن الوعد من الأنبياء عليهم السلام كالعهد من غيرهم، وللتحرز عن الحنث على ما أشار إليه في حديث أُبَيٍّ رضي الله عنه من قوله لعله نسي يمينه، ففيه إشارة إلى أنه كان حلف له.
وفيه دليل على أنه لا يصير خارجاً بإخراج إحدى الرجلين ولا داخلاً بإدخال إحدى الرجلين، ولهذا قال علماؤنا، رحمهم الله: من حلف على زوجته أن لا تخرج من الدار فأخرجت إحدى رجليها لم يحنث في يمينه، وهذا لأن الخروج انتقال من الداخل إلى الخارج ولا يحصل ذلك بإخراج إحدى القدمين، وقد بيَّنا وجوه هذه المسألة في كتاب الأيمان.
ثم مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من تفضيل آية أو سورة على غيرها هو الثواب عند التلاوة، فإن القرآن كله كلام الله تعالى غير مُحدث ولا مخلوق ولا تفاوت بين السور والآي في هذا، ولكن يجوز أن يقال: إن القارئ ينال من الثواب