وإنما يحلف ليدفع الظلم عن نفسه فتعتبر نيته في ذلك، والظالم مأمور شرعاً بالكف عن الظلم وإيصال الحق إلى المستحق فلا تعتبر نيته في اليمين، وإنما تعتبر نية المستحلف، وهذا لأن المدعي إذا كان محقاً فاليمين مشروعة لحقه حتى يمتنع الظالم عن اليمين لحقه فيخرج من حقه أو يهلك إن حلف كاذباً كما أهلك حقه، فيكون إهلاكاً بمقابلة إهلاك بمنزلة القاص، وإنما يتحقق هذا إذا اعتبرنا نية المستحلف.
فأما إذا كان الحالف مظلوماً فاليمين مشروعة لحقه، وهو رجحان جانب الصدق في حقه وانقطاع منازعة المدعي معه بغير حجة فتعتبر نية الحالف في ذلك، ولهذا يعتبر في اليمين علمه أيضاً على ما روي عن الشعبي رحمه الله قال من حلف على يمين ولا يستثنى فالإثم والبر فيهما على علمه يعني إذا حلف، وعنده أن الأمر كما حلف عليه ثم تبين خلافه لم يكن آثماً في يمينه، وهو تفسير يمين اللغو عندنا لأنه ما كان ظالماً حين كان لا يعلم خلاف ما هو عليه فاعتبر ما عنده، وإذا كان يعلم خلاف ذلك فهو ظالم في يمينه فيكون إثماً ويعتبر فيه أم عند صاحب الحق، والله أعلم.
[باب الإجارة]
رجل استأجر من رجل داراً سنين معلومة فخاف المستأجر أن يعذر له رب الدار فليسم لكل سنة من أول هذه السنين أجراً قليلاً ويجعل للسنة الأخيرة أجراً كبيراً.
ومعنى هذا أن المستأجر خاف أن تُنْقَضَ الإجارة بينهما قبل انتهاء مدة الإجارة بموت رب الدار أو بأن يلحقه دين فادح أو بغير ذلك من أنواع العذر، وقد لا يكون مقصوده إلا السكنى في آخر المدة، فالحيلة ما ذكر وهو أن يجعل الأجر للسنين المتقدمة شيئاً قليلاً حتى إذا انفسخ العقد قبل حصول مقصوده لا يلزمه من الأجر ما يتضرر به ويمنع رب الدار من الفسخ للعذر كيلا