العلم بكذبه لأن الطباع مجبولة على نقل كل معلوم وإن صغر، فكيف بالأمور العظام (في) الجمع العظيم فالعادة حاكمة باستحالة السكوت عنه، ولو جاز كتمانه لجاز كتمان مثل بغداد ومصر، وهو محال. وبمثله عرفنا كذب من ادعى معارضة القرآن، والنص على إمام، فإنه لو وجد لتوفرت الدواعي على نقله. والتشكيك فيه شغب، فلا يسمع. فإن قيل: يجوز أن يدعوهم إلى الكتمان داع لغرض يعمهم أو أغراض، والوقوع شاهد، فإن النصارى لم ينقلوا كلام المسيح في المهد ونقلوا ما دونه. ونقل المسلمون القرآن متواترا وما دونه من معجزاته آحادا، كانشقاق القمر وتسبيح الحصى ونبع الماء من أصابعه وحنين الجذع وصفة دخوله مكة من عنوة أو صلح، وإفراد الإقامة وتثنيتها، وإفراد الحج وقرانه، إلى غيرها.
قلنا: العادة تحيل قيام الداعي كما تحيل اتفاق الكل على طعام واحد. وكلام المسيح لم يكن زمن اشتهاره، فنقله الآحاد. وكذا نقل ما سوى القرآن كالانشقاق فإنه آية ليلية غير منتظرة فاختص بنقله من رآه، ولا كذلك القرآن فإنه لم يزل يردده بينهم أيام عمره فلم يبق إلا من علم به فاستحال تواطؤهم على عدم نقله. وأما دخول مكة، فالمشهور دخوله قهرا وغلبة، والمخالف اشتبه عليه بأداء دية من قتله خالد ولا يبعد ظنه من الآحاد. والاختلاف في الإقامة وأمثالها يحتمل أن يستند إلى اختلاف السماع، وجواز الأمرين والإفراد في الحج وأمثاله ليس مما يجب ظهوره لتعلقه بالنية.