وَإِنْ أَنْكَرَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ إقْرَارَهُ بَعْدَهُ: لَمْ يُفِدْهُ
ــ
[منح الجليل]
قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُكَذِّبْهُمْ صَيَّرَ الْمَسْأَلَةَ إلَى بَابِ الْإِقْرَارِ وَقَالَ أَصْبَغُ إذَا رَضِيَ الْخَصْمَانِ بِشَهَادَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي فَلَا يَحْكُمُ بِهَا.
(وَإِنْ) أَقَرَّ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ بِمَا عَلَيْهِ لِلْآخَرِ وَحَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ وَ (أَنْكَرَ) شَخْصٌ (مَحْكُومٌ عَلَيْهِ) بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَأَنْكَرَ (إقْرَارَهُ) عِنْدَ الْقَاضِي بِمَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِهِ، وَكَانَ إنْكَارُهُ (بَعْدَهُ) أَيْ الْحُكْمِ (لَمْ يُفِدْهُ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ، أَيْ الْإِنْكَارُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فَيَمْضِي الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَيُسْتَوْفَى مِنْهُ مُقْتَضَاهُ. وَمَفْهُومُ بَعْدَهُ أَنَّهُ إنْ أَنْكَرَ إقْرَارَهُ قَبْلَهُ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ شَاهِدَانِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَعَبَّرَ عَنْهُ الْمَازِرِيُّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ يُحْكَمُ عَلَيْهِ وَلَا يَعْلَمُ هَذَا إلَّا مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ.
الْحَطّ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ فِي مَجْلِسِهِ فَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ بِإِقْرَارِهِ شَاهِدَانِ، وَمُقَابِلُهُ لَهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِلَا شَهَادَةٍ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ بِأَنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ وَحَكَمَ بِلَا إشْهَادٍ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ إقْرَارَهُ بَعْدَ حُكْمِهِ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ عَلَى شَخْصٍ مُسْتَنِدًا لِإِقْرَارِهِ فِي مَجْلِسِهِ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ عَلَى إقْرَارِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ إقْرَارَهُ، فَإِنَّ حُكْمَهُ بِذَلِكَ لَا يَنْتَقِضُ، فَإِذَا قَالَ الْحَاكِمُ حَكَمْت عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ عِنْدِي، وَقَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ لَمْ أُقِرَّ عِنْدَهُ فَلَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَاكِمِ، هَكَذَا فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي ضَيْح وَغَيْرِهِ. وَفِي النَّوَادِرِ فَإِنْ جَهِلَ وَأَنْفَذَ عَلَيْهِ حُكْمَهُ بِمَا أَقَرَّ عِنْدَهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ غَيْرُهُ فَلْيَنْقُضْ هُوَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْزِلْ، فَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْقُضَاةِ فَلَا أُحِبُّ لَهُ نَقْضَهُ فِي الْإِقْرَارِ خَاصَّةً فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ. وَأَمَّا مَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقْضِيَ أَوْ رَآهُ وَهُوَ قَاضٍ أَوْ سَمِعَهُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ فَلَا يَنْفُذُ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنْ نَفَذَ مِنْهُ شَيْئًا فَلَا يُنْفِذُهُ أَحَدٌ غَيْرَهُ مِنْ الْحُكَّامِ وَلْيَنْقُضْهُ.
طفي قَوْلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute