للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

وَالْعَدَالَةُ، قَالَ وَلَمَّا كَانَتْ شُرُوطًا فِي الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَصْلَيْهِ وَفِقْهِهِ. طفى إنْ قُلْت جَعَلَ عِيَاضٌ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ هَذِهِ الشُّرُوطَ فِي الشَّاهِدِ، وَجَعَلُوا مِنْهَا كَوْنَهُ عَدْلًا، ثُمَّ فَسَّرُوا الْعَدَالَةَ بِالْمُحَافَظَةِ الدِّينِيَّةِ عَلَى اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَالْكَذِبِ وَتَوَقِّي الصَّغَائِرِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرُوا، فَخَالَفَ الْمُصَنِّفُ اصْطِلَاحَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا عَاقِلًا بَالِغًا مُسْتَعْمِلًا لِمُرُوءَتِهِ. قُلْت لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَذَ الْعَدْلَ بِمَعْنَى عَدْلِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مُرَادُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، حَيْثُ أَطْلَقُوهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ الَّتِي ذَكَرُوهَا، فَأَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ، وَأَخَذَهُ غَيْرُهُ بِمَعْنَى الْمَحَافِظِ عَلَى الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ مُحَافَظَةً دِينِيَّةً، فَشَمِلَ هَذَا الْمَعْنَى الْعَبْدَ، فَلِذَا احْتَاجُوا لِذِكْرِ الْحُرِّيَّةِ مَعَ الْعَدَالَةِ وَمَا سَلَكَهُ الْمُصَنِّفُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ أَمَسُّ بِالْمَقَامِ، فَقَوْلُ " ح " مُتَوَرِّكًا عَلَى الْمُصَنِّفِ إنَّ مَا ذَكَرُوهُ أَبْيَنُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يُوصَفُ بِالْعَدَالَةِ غَيْرُ بَيِّنٍ.

الثَّانِي: ابْنُ عَرَفَةَ أَطَالَ الْمَازِرِيُّ الْكَلَامَ فِي الْعَدَالَةِ، وَالْأَوْلَى أَنَّهَا صِفَةُ مَظِنَّةٍ لِمَنْعِ مَوْصُوفِهَا الْبِدْعَةَ وَمَا يَشِينُهُ عُرْفًا وَمَعْصِيَةً غَيْرَ قَلِيلِ الصَّغَائِرِ، فَالصَّغَائِرُ الْخَسِيسَةُ مُنْدَرِجَةٌ فِيمَا يَشِينُ وَنَادِرُ الْكَذِبِ فِي غَيْرِ عَظِيمِ مَفْسَدَةٍ عَفْوٌ مُنْدَرِجٌ فِي قَلِيلِ الصَّغَائِرِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهَا فِي آخِرِ شَهَادَاتِهَا مِمَّا يُجْرَحُ بِهِ أَنَّهُ كَذَّابٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَأَطْوَلُ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْفِقْهِيِّ الْعَدَالَةُ الْمُحَافَظَةُ الدِّينِيَّةُ عَلَى اجْتِنَابِ الْكَذِبِ وَالْكَبَائِرِ، وَتَوَقِّي الصَّغَائِرِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَحُسْنُ الْمُعَامَلَةِ لَيْسَ مَعَهَا بِدْعَةٌ، وَيُتَعَقَّبُ بِحَشْوِ الدِّينِيَّةِ لِاسْتِقْلَالِهِ دُونَهَا، وَإِجْمَالُ قَوْلِهِ وَتَوَقِّي الصَّغَائِرِ لِاحْتِمَالِهِ جَمِيعَهَا أَوْ أَكْثَرَهَا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ مَعَهَا بِدْعَةٌ رَاجِعٌ لِلْعَدَالَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ الْبِدْعَةِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْعَدَالَةِ، لَكِنَّ تَعْلِيلَهُ اشْتِرَاطَ هَذِهِ الْمَعِيَّةِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهَا فِسْقٌ يُوجِبُ كَوْنَهَا مُعْتَادَةً فَيُسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ عَنْهَا كَمَا اُسْتُغْنِيَ بِذِكْرِهَا عَنْ سَائِرِ أَضْدَادِهَا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ أَضْدَادِهَا كَثُرَ النِّزَاعُ فِيهِ. اهـ. وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ الدِّينِيَّةِ احْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْمُحَافَظَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ بِهَا الدِّينَ، وَإِنَّمَا فَعَلَهَا لِتَحْصِيلِ مَنْصِبٍ دُنْيَوِيٍّ. وَقَالَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>