للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً، أَوْ كَثِيرَ كَذِبٍ،

ــ

[منح الجليل]

ابْنُ مُحْرِزٍ فِي تَبْصِرَتِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ فِي صِفَةِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ هُوَ الْمُجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ الْمُتَوَقِّي لِأَكْثَرِ الصَّغَائِرِ إذَا كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ وَتَمْيِيزٍ مُتَيَقِّظًا مُتَوَسِّطَ الْحَالِ بَيْنَ الْبُغْضِ وَالْمَحَبَّةِ. قُلْت وَقَدْ أَتَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ عَلَى جَمِيعِ مَا يَنْبَغِي فِي الشَّاهِدِ الْعَدْلِ اهـ.

الثَّالِثُ: عب هَذِهِ الشُّرُوطُ لَا يُشْتَرَطُ مِنْهَا حَالَ الْأَدَاءِ وَالتَّحَمُّلِ إلَّا الْعَقْلُ، وَبَقِيَّتُهَا إنَّمَا يُشْتَرَطُ حَالَ الْأَدَاءِ. الْبُنَانِيُّ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي غَيْرِ شُهُودِ النِّكَاحِ وَالشُّهُودِ عَلَى الْخَطِّ. وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ وَالْخَطِّ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الشُّرُوطِ كُلِّهَا وَقْتَ الْأَدَاءِ وَوَقْتَ التَّحَمُّلِ قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.

(لَمْ يُبَاشِرْ) أَيْ يَفْعَلْ الْعَدْلُ مَعْصِيَةً (كَبِيرَةً) بِلَا تَوْبَةٍ مِنْهَا بِأَنْ لَمْ يَفْعَلْهَا أَصْلًا أَوْ تَابَ مِنْهَا، فَإِنْ فَعَلَهَا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَدْلِ عَدَمُ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ مُطْلَقًا لِتَعَذُّرِهِ إلَّا مِنْ وَلِيٍّ أَوْ صَدِيقٍ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَتْ طَاعَتُهُ أَكْثَرَ أَحْوَالِهِ وَأَغْلَبَهَا وَاجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ وَحَافَظَ عَلَى تَرْكِ الصَّغَائِر فَهُوَ عَدْلٌ. تت تَكْمِيلُ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ انْقِسَامُ الذُّنُوبِ إلَى كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ، وَاخْتُلِفَ فِي تَمْيِيزِ الْكَبَائِرِ مِنْهَا فَمِنْهُمْ مَنْ مَيَّزَهَا بِالْعَدِّ مُسْتَقْرِيًا مَوَارِدَ النُّصُوصِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَصَرَهَا بِضَابِطٍ، وَلْنَذْكُرْ طَرَفًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا.

فَمِنْ الْأَوَّلِ: قِيلَ أَرْبَعٌ، وَقِيلَ سَبْعٌ، وَقِيلَ سَبْعَ عَشْرَةَ. ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى السَّبْعِ، وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إلَى سَبْعِمِائَةٍ أَقْرَبُ.

وَمِنْ الثَّانِي: قِيلَ مَا لَحِقَ صَاحِبَهَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَقِيلَ مَا أَوْجَبَ حُكْمًا. وَقِيلَ مَا نَصَّ الْقُرْآنُ عَلَى تَحْرِيمِهِ أَوْ أَوْجَبَ فِي جِنْسِهِ حَدًّا. وَقِيلَ، كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَارٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ لَعْنَةٍ أَوْ عَذَابٍ، وَقِيلَ مَا أَوْعَدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِنَارٍ أَوْ حَدٍّ فِي الدُّنْيَا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

(أَوْ كَثِيرَ كَذِبٍ) ظَاهِرُ مَفْهُومِهِ أَنَّ مَنْ بَاشَرَ كَثِيرَ الْكَذِبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَوْ اتَّحَدَ مُتَعَلِّقُهُ، وَقَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ مِمَّا يُجَرَّحُ بِهِ الشَّاهِدُ قِيَامُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَذَّابٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ مُشْعِرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>