للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَ الْحِرَارِ، وَشَجَرِهَا بَرِيدًا فِي بَرِيدٍ.

ــ

[منح الجليل]

لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ بَرِيدًا فِي بَرِيدٍ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمُ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي أُحَرِّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا» . وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ صَادَ فِيهَا صَيْدًا فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِيهِ الْجَزَاءَ كَحَرَمِ مَكَّةَ سَوَاءٌ وَبِذَلِكَ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَبْدِ الْوَهَّابِ. وَذَهَبَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى أَنَّ الصَّيْدَ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ أَخَفُّ مِنْ الصَّيْدِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ. فَلَمْ يَرَ عَلَى مَنْ صَادَ فِيهِ إلَّا الِاسْتِغْفَارَ وَالزَّجْرَ مِنْ الْإِمَامِ قِيلَ لَهُ فَهَلْ يُؤْكَلُ الصَّيْدُ الَّذِي يُصَادُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ مَا هُوَ مِثْلُ مَا يُصَادُ فِي حَرَمِ مَكَّةَ وَإِنِّي لَأَكْرَهَهُ، فَرُوجِعَ فِيهِ فَقَالَ لَا أَدْرِي وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ.

وَحَرَّمَهَا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّيْدِ مَا (بَيْنَ الْحِرَارِ) الْمُحِيطَةِ بِهَا جَمْعُ حَرَّةٍ أَيْ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ نَخِرَةٍ كَأَنَّهَا أُحْرِقَتْ بِنَارٍ فَالْمَدِينَةُ دَاخِلَةٌ فِي حَرَمِ الصَّيْدِ وَالْجَمْعُ لِمَا فَوْقَ الْوَاحِدِ إذْ لَيْسَ ثَمَّ إلَّا حَرَّتَانِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لِكُلِّ حَرَّةٍ طَرَفَيْنِ وَهُمَا الْمُرَادُ بِلَابَتَيْهَا (وَ) كَقَطْعِ (شَجَرِهَا) أَيْ الْمَدِينَةِ (بَرِيدًا) طُولًا مِنْ طَرَفِ بُيُوتِهَا (فِي بَرِيدٍ) أَيْ مَعَ بَرِيدٍ آخَرَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مِنْ طَرَفِ الْبُيُوتِ أَيْضًا. قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مَسَافَةُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ يُرِيدُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ مِنْهَا مِنْ طَرَفِ دُورِهَا فَفِي بِمَعْنَى مَعَ عَلَى حَدِّ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الأعراف: ٣٨] ، أَيْ: مَعَ أُمَمٍ فَالْمَدِينَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّجَرِ لَيْسَتْ مِنْ الْحَرَمِ وَهُوَ مُحِيطٌ بِهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ يُرِيدُ وَالْمُعْتَبَرُ الْبُيُوتُ الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُوَرُهَا الْآنَ الدَّاخِلُ هُوَ طَرَفُهَا فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَمَا بَيْنَ سُورَيْهَا مِنْ حَرَمِ الشَّجَرِ أَيْضًا. وَالْمُرَادُ بِالشَّجَرِ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ، وَيُسْتَثْنَى مَا اسْتَثْنَى مِنْ شَجَرِ حَرَمِ مَكَّةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ اتِّكَالًا عَلَى الْقِيَاسِ بِالْأَوْلَى.

ابْنُ حَبِيبٍ تَحْرِيمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّيْدِ، وَأَمَّا فِي قَطْعِ الشَّجَرِ فَبَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ، وَحَكَاهُ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ ابْنُ نَافِعٍ مَا بَيْنَ هَذِهِ الْحِرَارِ مِنْ الدُّورِ كُلُّهُ مُحَرَّمٌ أَنْ يُصَادَ فِيهِ صَيْدٌ، وَحَرُمَ قَطْعُ الشَّجَرِ مِنْهَا يُرِيدُ مِنْ كُلِّ شِقٍّ حَوْلَهَا كُلِّهَا اهـ. وَفِي مُخْتَصَرِهَا لِأَبِي مُحَمَّدٍ وَحَرَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ وَهُمَا حَرَّتَانِ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُصَادُ

<<  <  ج: ص:  >  >>