للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأَمَّا الْجُمْهُورُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ لِلَّهِ حُكْمًا فِي الْبَاطِنِ، عَلِمَهُ [الْعَالِمُ] فِي إِحْدَى الْمَقَالَتَيْنِ وَلَمْ يَعْلَمْهُ فِي الْمَقَالَةِ الَّتِي تُنَاقِضُهَا، وَعَدَمُ عِلْمِهِ بِهِ مَعَ اجْتِهَادٍ مَغْفُورٌ لَهُ، مَعَ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ قَصْدِهِ لِلْحَقِّ وَاجْتِهَادٍ فِي طَلَبِهِ، وَلِهَذَا يُشَبِّهُ بَعْضُهُمْ تَعَارُضَ الِاجْتِهَادَاتِ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ، مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ ثَابِتٌ بِخِطَابِ حُكْمِ اللَّهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، بِخِلَافِ أَحَدِ قَوْلَيِ الْعَالَمِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ.

هَذَا فِيمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ فِيمَا يَقُولُهُ، مَعَ عِلْمِهِ بِتَقْوَاهُ، وَسُلُوكِهِ الطَّرِيقَ الرَّاشِدَ.

وَأَمَّا أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْخُصُومَاتِ: فَهُمْ مَذْمُومُونَ فِي مُنَاقَضَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَلَا حُسْنِ قَصْدٍ لِمَا يَجِبُ قَصْدُهُ.

وَعَلَى هَذَا فَلَازِمُ قَوْلِ الْإِنْسَانِ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَازِمُ قَوْلِهِ الْحَقُّ. فَهَذَا مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَزِمَهُ، فَإِنَّ لَازِمَ الْحَقِّ حَقٌّ، وَيَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ إِذَا عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنَ الْتِزَامِهِ بَعْدَ ظُهُورِهِ، وَكَثِيرٌ مِمَّا يُضِيفُهُ النَّاسُ إِلَى مَذْهَبِ الْأَئِمَّةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ.

وَالثَّانِي: لَازِمُ قَوْلِهِ الَّذِي لَيْسَ بِحَقٍّ. فَهَذَا لَا يُجِبِ الْتِزَامُهُ، إِذْ أَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ قَدْ تَنَاقَضَ، وَقَدْ بَيَّنْتُ أَنَّ التَّنَاقُضَ وَاقِعٌ مِنْ كُلِّ عَالِمٍ غَيْرِ النَّبِيِّينَ، ثُمَّ إِنْ عُرِفَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَلْتَزِمُهُ بَعْدَ ظُهُورِهِ لَهُ فَقَدْ يُضَافُ إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ قَوْلٌ لَوْ ظَهَرَ لَهُ فَسَادُهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ، لِكَوْنِهِ قَدْ قَالَ مَا يَلْزَمُهُ، وَهُوَ لَمْ يَشْعُرْ بِفَسَادِ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَلَا يَلْزَمُهُ.

<<  <   >  >>