وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي لَازِمِ الْمَذْهَبِ: هَلْ هُوَ مَذْهَبٌ أَوْ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ؟ هُوَ أَجْوَدُ مِنْ إِطْلَاقِ أَحَدِهِمَا، فَمَا كَانَ مِنَ اللَّوَازِمِ يَرْضَاهُ الْقَائِلُ بَعْدَ وُضُوحِهِ لَهُ فَهُوَ قَوْلُهُ، وَمَا لَا يَرْضَاهُ فَلَيْسَ قَوْلَهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَنَاقِضًا، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ اللَّازِمِ الَّذِي يَجِبُ الْتِزَامُهُ مَعَ لُزُومِ اللَّازِمِ الَّذِي يَجِبُ تَرْكُ الْمَلْزُومِ لِلُزُومِهِ، فَإِذَا عَرَفَ هَذَا عَرَفَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَاجِبِ مِنَ الْمَقَالَاتِ وَالْوَاقِعِ مِنْهَا، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ فِي اللَّوَازِمِ الَّتِي لَمْ يُصَرِّحْ هُوَ بِعَدَمِ لُزُومِهَا.
فَأَمَّا إِذَا نَفَى هُوَ اللُّزُومَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ اللَّازِمُ بِحَالٍ، وَإِلَّا لَأُضِيفَ إِلَى كُلِّ عَالِمٍ مَا اعْتَقَدْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ، لِكَوْنِهِ مُلْتَزِمًا لِرِسَالَتِهِ، فَلَمَّا لَمْ يُضَفْ إِلَيْهِ مَا نَفَاهُ عَنِ الرَّسُولِ، وَإِنْ كَانَ لَازِمًا لَهُ: ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ اللَّازِمِ الَّذِي لَمْ يَنْفِهِ، وَاللَّازِمِ الَّذِي نَفَاهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ نَصَّ عَلَى الْحُكْمِ نَفْيُهُ لِلُزُومِ مَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَنِ اجْتِهَادَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ.
وَسَبَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ - مَعَ وُجُودِ الِاخْتِلَافِ فِي قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا: - أَنَّ الْعَالِمَ قَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ حُسْنِ الْقَصْدِ وَالِاجْتِهَادِ، وَهُوَ مَأْمُورٌ فِي الظَّاهِرِ بِاعْتِقَادِ مَا قَامَ عِنْدَهُ دَلِيلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا، لَكِنَّ اعْتِقَادًا لَيْسَ بِيَقِينِيٍّ، كَمَا يُؤْمَرُ الْحَاكِمُ بِتَصْدِيقِ الشَّاهِدَيْنِ ذَوِي الْعَدْلِ، وَإِنْ كَانَا فِي الْبَاطِنِ قَدْ أَخْطَآ أَوْ كَذَبَا، وَكَمَا يُؤْمَرُ الْمُفْتِي بِتَصْدِيقِ الْمُخْبِرِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ، أَوْ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ، فَيَعْتَقِدُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ مُطَابِقًا، فَالِاعْتِقَادُ الْمَطْلُوبُ هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِمَّا يُؤْمَرُ بِهِ الْعِبَادُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُطَابِقٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَأْمُورِينَ فِي الْبَاطِنِ بِاعْتِقَادٍ غَيْرِ مُطَابِقٍ قَطُّ.
فَإِذَا اعْتَقَدَ الْعَالِمُ اعْتِقَادَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ فِي قَضِيَّةٍ أَوْ قَضِيَّتَيْنِ مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute