للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ سَبَبَ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ: مَا أَفْضَتْ إِلَيْهِ مِنَ الْخِصَامِ، وَهَكَذَا بُيُوعُ الْغَرَرِ، وَقَدْ ثَبَتَ نَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وجابر، وأنس. وَفِي مسلم مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي حَدِيثِ أنس تَعْلِيلُهُ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أنس: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهَى، قِيلَ: وَمَا تُزْهَى؟ قَالَ: حَتَّى تَحْمَرَّ أَوْ تَصْفَرَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَزْهُوَ، فَقُلْنَا لِأَنَسٍ: مَا زَهْوُهَا؟ قَالَ: تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ، أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ» ، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ: جَعَلَ مالك والداروردي قَوْلَ أنس: أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَدْرَجَاهُ فِيهِ، وَيَرَوْنَ أَنَّهُ غَلِطَ.

فَهَذَا التَّعْلِيلُ - سَوَاءٌ كَانَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ كَلَامِ أنس - فِيهِ بَيَانُ أَنَّ فِي ذَلِكَ أَكْلًا لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ، حَيْثُ أَخَذَهُ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ بِلَا عِوَضٍ مَضْمُونٍ.

وَإِذَا كَانَتْ مَفْسَدَةُ بَيْعِ الْغَرَرِ هِيَ كَوْنَهُ مَظِنَّةَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَأَكْلِ الْأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْمَفْسَدَةَ إِذَا عَارَضَتْهَا الْمَصْلَحَةُ الرَّاجِحَةُ قُدِّمَتْ عَلَيْهَا، كَمَا أَنَّ السِّبَاقَ بِالْخَيْلِ وَالسِّهَامِ وَالْإِبِلِ، لَمَّا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ جَازَ بِالْعِوَضِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ غَيْرُهُ بَعِوَضٍ، وَكَمَا أَنَّ اللَّهْوَ الَّذِي يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ - وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «كُلُّ لَهْوٍ

<<  <   >  >>