للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللِّبَاسِ وَنَحْوِهِ - تَابِعَانِ لِلْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ.

وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ الْجَامِعِ وَسَطٌ بَيْنَ مَذْهَبِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْحِجَازِيِّينَ، فَإِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ - مالكا وَغَيْرَهُ - يُحَرِّمُونَ مِنَ الْأَشْرِبَةِ كُلَّ مُسْكِرٍ، كَمَا صَحَّتْ بِذَلِكَ النُّصُوصُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَلَيْسُوا فِي الْأَطْعِمَةِ كَذَلِكَ، بَلِ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ فِيهَا عَدَمُ التَّحْرِيمِ، فَيُبِيحُونَ [الطُّيُورَ] مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَاتِ الْمَخَالِبِ، [وَيَكْرَهُونَ] كُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَفِي تَحْرِيمِهَا عَنْ مالك رِوَايَتَانِ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَشَرَاتِ عَنْهُ -هَلْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ، أَوْ مَكْرُوهَةٌ - رِوَايَتَانِ، وَكَذَلِكَ الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ أَشَدُّ مِنْ كَرَاهَةِ السِّبَاعِ، وَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ بِالسُّنَّةِ دُونَ تَحْرِيمِ الْحَمِيرِ، وَالْخَيْلُ أَيْضًا يَكْرَهُهَا، لَكِنْ دُونَ كَرَاهَةِ السِّبَاعِ.

وَأَهْلُ الْكُوفَةِ فِي بَابِ الْأَشْرِبَةِ مُخَالِفُونَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلِسَائِرِ النَّاسِ، لَيْسَتِ الْخَمْرُ عِنْدَهُمْ إِلَّا مِنَ الْعِنَبِ، وَلَا يُحَرِّمُونَ الْقَلِيلَ مِنَ الْمُسْكِرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ خَمْرًا مِنَ الْعِنَبِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَبِيذِ التَّمْرِ أَوِ الزَّبِيبِ النَّيِّءِ، أَوْ يَكُونَ مِنْ مَطْبُوخِ عَصِيرِ الْعِنَبِ إِذَا لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ، وَهُمْ فِي الْأَطْعِمَةِ فِي غَايَةِ التَّحْرِيمِ حَتَّى حَرَّمُوا الْخَيْلَ وَالضِّبَابَ، وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَكْرَهُ الضَّبَّ وَالضِّبَاعَ وَنَحْوَهَا.

فَأَخَذَ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي الْأَشْرِبَةِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسَائِرِ

<<  <   >  >>