للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كَالْغَصْبِ، حَيْثُ أَقْرَضَهُمَا وَلَمْ يُقْرِضْ غَيْرَهُمَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَالُ مُشْتَرَكٌ، وَأَحَدُ الشُّرَكَاءِ إِذَا اتَّجَرَ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بِدُونِ إِذْنِ الْآخَرِ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عبد الله: " الضَّمَانُ كَانَ عَلَيْنَا، فَيَكُونُ الرِّبْحُ لَنَا " فَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ مُضَارَبَةً.

وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَوْجُودَةٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ - وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أحمد وَغَيْرِهِ - هَلْ يَكُونُ رِبْحُ مَنِ اتَّجَرَ بِمَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لِرَبِّ الْمَالِ أَوْ لِلْعَامِلِ، أَوْ لَهُمَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَأَحْسَنُهَا وَأَقْيَسُهَا: أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، كَمَا قَضَى بِهِ عمر ; لِأَنَّ النَّمَاءَ مُتَوَلِّدٌ عَنِ الْأَصْلَيْنِ.

وَإِذَا كَانَ أَصْلُ الْمُضَارَبَةِ الَّذِي قَدِ اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ، رَاعَوْا فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الشَّرِكَةِ، فَأَخْذُ مِثْلِ الدَّرَاهِمِ يَجْرِي مَجْرَى عَيْنِهَا. وَلِهَذَا سَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ الْقَرْضَ مَنِيحَةً، يُقَالُ: مَنِيحَةُ وَرِقٍ. وَيَقُولُ النَّاسُ: أَعِرْنِي دَرَاهِمَكَ، يَجْعَلُونَ رَدَّ مِثْلِ الدَّرَاهِمِ مِثْلَ رَدِّ عَيْنِ الْعَارِيَةِ، وَالْمُقْتَرِضُ انْتَفَعَ بِهَا وَرَدَّهَا، وَسَمَّوُا الْمُضَارَبَةَ قِرَاضًا ; لِأَنَّهَا فِي الْمُقَابَلَاتِ نَظِيرَ الْقَرْضِ فِي التَّبَرُّعَاتِ.

وَيُقَالُ أَيْضًا: لَوْ كَانَ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْفَرْقِ مُؤَثِّرًا لَكَانَ اقْتِضَاؤُهُ لِتَجْوِيزِ الْمُزَارَعَةِ دُونَ الْمُضَارَبَةِ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ ; لِأَنَّ النَّمَاءَ إِذَا حَصَلَ مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلَيْنِ كَانَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ حُصُولِهِ مَعَ ذَهَابِ أَحَدِهِمَا. وَإِنْ قِيلَ: الزَّرْعُ نَمَاءُ الْأَرْضِ دُونَ الْبَدَنِ، فَقَدْ يُقَالُ: وَالرِّبْحُ نَمَاءُ الْعَامِلِ، دُونَ الدَّرَاهِمِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ، بَلِ الزَّرْعُ يَحْصُلُ بِمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التُّرَابِ وَالْمَاءِ وَالْهَوَاءِ، وَمَنْفَعَةِ بَدَنِ الْعَامِلِ وَالْبَقَرِ وَالْحَدِيدِ.

<<  <   >  >>