للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُضَارَبَةِ فَرْقًا فَلَا رَيْبَ أَنَّهَا بِالْمُضَارَبَةِ أَشْبَهُ مِنْهَا بِالْمُؤَاجَرَةِ ; لِأَنَّ الْمُؤَاجَرَةَ الْمَقْصُودُ فِيهَا هُوَ الْعَمَلُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَالْأُجْرَةُ مَضْمُونَةٌ فِي الذِّمَّةِ أَوْ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ. وَهُنَا لَيْسَ الْمَقْصُودُ إِلَّا النَّمَاءَ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَمَلِ، وَالْأُجْرَةُ لَيْسَتْ عَيْنًا وَلَا شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا هِيَ بَعْضُ مَا يَحْصُلُ مِنَ النَّمَاءِ. وَلِهَذَا مَتَى عُيِّنَ فِيهَا شَيْءٌ مُعَيَّنٌ فَسَدَ الْعَقْدُ، كَمَا تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ إِذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا رِبْحًا مُعَيَّنًا، أَوْ أُجْرَةً مَعْلُومَةً فِي الذِّمَّةِ. وَهَذَا بَيِّنٌ فِي الْغَايَةِ. فَإِذَا كَانَتْ بِالْمُضَارَبَةِ أَشْبَهَ مِنْهَا بِالْمُؤَاجَرَةِ جِدًّا، وَالْفَرْقَ الَّذِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُضَارَبَةِ ضَعِيفٌ وَالَّذِي بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُؤَاجَرَةِ فُرُوقٌ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، وَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ إِلْحَاقِهَا بِأَحَدِ الْأَصْلَيْنِ، فَإِلْحَاقُهَا بِمَا هِيَ بِهِ أَشْبَهُ أَوْلَى. وَهَذَا أَجْلَى مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ فِيهِ إِلَى إِطْنَابٍ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ نَقُولَ: لَفْظُ الْإِجَارَةِ فِيهِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ. فَإِنَّهَا عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ لِكُلِّ مَنْ بَذَلَ نَفْعًا بِعِوَضٍ. فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمَهْرُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: ٢٤] وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَمَلُ هُنَا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا، وَكَانَ الْآخَرُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا لَازِمًا أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ.

الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: الْإِجَارَةُ الَّتِي هِيَ جَعَالَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ النَّفْعُ غَيْرَ مَعْلُومٍ، لَكِنِ الْعِوَضُ مَضْمُونًا، فَيَكُونُ عَقْدًا جَائِزًا غَيْرَ لَازِمٍ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّ عَلَيَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا. فَقَدْ يَرُدُّهُ مَنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْ قَرِيبًا.

الثَّالِثَةُ: الْإِجَارَةُ الْخَاصَّةُ، وَهِيَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَيْنًا أَوْ يَسْتَأْجِرَهُ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ، بِحَيْثُ تَكُونُ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً. فَيَكُونُ الْأَجْرُ مَعْلُومًا

<<  <   >  >>