لَيْسَتْ مِنَ الْإِجَارَةِ الْخَاصَّةِ. وَإِنْ جُعِلَتْ إِجَارَةً فَهِيَ مِنَ الْإِجَارَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي تَدْخُلُ فِيهَا الْجَعَالَةُ وَالسَّبْقُ وَالرَّمْيُ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَذْرَ فِي الْمُزَارَعَةِ لَيْسَ مِنَ الْأُصُولِ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى رَبِّهَا، كَالثَّمَنِ فِي الْمُضَارَبَةِ، بَلِ الْبَذْرُ يَتْلَفُ كَمَا تَتْلَفُ الْمَنَافِعُ، وَإِنَّمَا تَرْجِعُ الْأَرْضُ أَوْ بَدَنُ الْبَقَرَةِ وَالْعَامِلِ. فَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ، لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَرْجِعَ مِثْلُهُ إِلَى مُخْرِجِهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الْفَضْلَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ يَشْتَرِكَانِ فِي جَمِيعِ الزَّرْعِ، فَظَهَرَ أَنَّ الْأُصُولَ فِيهَا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ هِيَ الْأَرْضُ بِمَائِهَا وَهَوَائِهَا، وَبَدَنُ الْعَامِلِ وَالْبَقَرِ [وَأَكْثَرُ الْحَرْثِ وَالْبَذْرِ] يَذْهَبُ كَمَا تَذْهَبُ الْمَنَافِعُ، وَكَمَا تَذْهَبُ أَجْزَاءٌ مِنَ الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ وَالتُّرَابِ، فَيَسْتَحِيلُ زَرْعًا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَخْلُقُ الزَّرْعَ مِنْ نَفْسِ الْحَبِّ وَالتُّرَابِ وَالْمَاءِ وَالْهَوَاءِ كَمَا يَخْلُقُ الْحَيَوَانَ مِنْ مَاءِ الْأَبَوَيْنِ، بَلْ مَا يَسْتَحِيلُ فِي الزَّرْعِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِمَّا يَسْتَحِيلُ مِنَ الْحَبِّ، وَالْحَبُّ يَسْتَحِيلُ فَلَا يَبْقَى، بَلْ يَفْلِقُهُ اللَّهُ وَيُحِيلُهُ كَمَا يُحِيلُ أَجْزَاءَ الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ، وَكَمَا يُحِيلُ الْمَنِيَّ وَسَائِرَ مَخْلُوقَاتِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَالْمَعْدِنِ وَالنَّبَاتِ، [وَلَمَّا] وَقَعَ مَا وَقَعَ مِنْ رَأْيِ كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ، اعْتَقَدُوا أَنَّ الْحَبَّ وَالنَّوَى فِي الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ: هُوَ الْأَصْلُ، وَالْبَاقِي تَبَعٌ، حَتَّى قَضَوْا فِي مَوَاضِعَ بِأَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ وَالشَّجَرُ لِرَبِّ النَّوَى وَالْحَبِّ مَعَ قِلَّةِ قِيمَتِهِ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أُجْرَةُ أَرْضِهِ.
وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا قَضَى بِضِدِّ هَذَا، حَيْثُ قَالَ: " «مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute