قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَلَهُ نَفَقَتُهُ» "، فَأَخَذَ أحمد وَغَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَبَعْضُ مَنْ أَخَذَ بِهِ يَرَى أَنَّهُ خِلَافُ الْقِيَاسِ، وَأَنَّهُ مِنْ صُوَرِ الِاسْتِحْسَانِ، وَهَذَا لِمَا انْعَقَدَ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْقِيَاسِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ أَنَّ الزَّرْعَ تَبَعٌ لِلْبَذْرِ، وَالشَّجَرَ تَبَعٌ لِلنَّوَى، وَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ، فَإِنَّ إِلْقَاءَ الْحَبِّ فِي الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ إِلْقَاءِ الْمَنِيِّ فِي الرَّحِمِ سَوَاءٌ، [وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى النِّسَاءَ حَرْثًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢٢٣] كَمَا سَمَّى الْأَرْضَ الْمَزْرُوعَةَ حَرْثًا، وَالْمُغَلَّبُ فِي مِلْكِ الْحَيَوَانِ إِنَّمَا هُوَ جَانِبُ الْأُمِّ] وَلِهَذَا تَبِعَ الْوَلَدُ الْآدَمِيُّ أُمَّهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ دُونَ أَبِيهِ، وَيَكُونُ الْجَنِينُ الْبَهِيمُ لِمَالِكِ الْأُمِّ، دُونَ مَالِكِ الْفَحْلِ الَّذِي نَمَا عَنْ عَسْبِهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ الَّتِي اسْتَمَدَّهَا مِنَ الْأُمِّ أَضْعَافُ الْأَجْزَاءِ الَّتِي اسْتَمَدَّهَا مِنَ الْأَبِ، وَإِنَّمَا لِلْأَبِ حَقُّ الِابْتِدَاءِ فَقَطْ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ الْحَبُّ وَالنَّوَى، فَإِنَّ الْأَجْزَاءَ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا الشَّجَرُ وَالزَّرْعُ أَكْثَرُهَا مِنَ التُّرَابِ وَالْمَاءِ وَالْهَوَاءِ. وَقَدْ يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ [فَتَضْعُفُ] بِالزَّرْعِ فِيهَا، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَجْزَاءُ تُسْتَخْلَفُ دَائِمًا، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يَزَالُ يَمُدُّ الْأَرْضَ بِالْمَاءِ وَالْهَوَاءِ وَبِالتُّرَابِ، إِمَّا مُسْتَحِيلًا مِنْ غَيْرِهِ، وَإِمَّا بِالْمَوْجُودِ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْأَرْضِ نَقْصُ الْأَجْزَاءِ التُّرَابِيَّةِ شَيْئًا، إِمَّا لِلْخَلَفِ بِالِاسْتِحَالَةِ، وَإِمَّا لِلْكَثْرَةِ، وَلِهَذَا صَارَ يَظْهَرُ أَنَّ أَجْزَاءَ الْأَرْضِ فِي مَعْنَى الْمَنَافِعِ، بِخِلَافِ الْحَبِّ وَالنَّوَى الْمُلْقَى فِيهَا، فَإِنَّهُ عَيْنٌ ذَاهِبَةٌ غَيْرُ مُسْتَخْلَفَةٍ وَلَا يُعَوَّضُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute