للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمُخَصِّصِ الْمُعَارِضِ لَهُ؟ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرُهُمَا. وَذَكَرُوا عَنْ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، وَأَكْثَرُ نُصُوصِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجَوِّزُ لِأَهْلِ زَمَانِهِ وَنَحْوِهِمُ اسْتِعْمَالَ ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَمَّا يُفَسِّرُهَا مِنَ السُّنَّةِ، وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ أبو الخطاب وَغَيْرُهُ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ الَّذِي لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ انْتِفَاءُ مَا يُعَارِضُهُ لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مُقْتَضَاهُ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ انْتِفَاءُ مُعَارِضِهِ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ مُقْتَضَاهُ. وَهَذِهِ الْغَلَبَةُ لَا تَحْصُلُ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَكْثَرِ الْعُمُومَاتِ إِلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنِ الْمَعَارِضِ، سَوَاءٌ جُعِلَ عَدَمُ الْمَعَارِضِ جُزْءًا مِنَ الدَّلِيلِ، فَيَكُونُ الدَّلِيلُ هُوَ الظَّاهِرُ الْمُجَرَّدُ عَنِ الْقَرِينَةِ - كَمَا يَخْتَارُهُ مَنْ لَا يَقُولُ بِتَخْصِيصِ الدَّلِيلِ وَلَا الْعِلَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ - أَوْ جُعِلَ الْمُعَارِضُ [الْمَانِعَ] لِلدَّلِيلِ، فَيَكُونُ الدَّلِيلُ هُوَ الظَّاهِرُ، لَكِنَّ الْقَرِينَةَ مَانِعَةٌ لِدَلَالَتِهِ، كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ بِتَخْصِيصِ الدَّلِيلِ وَالْعِلَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا يَعُودُ إِلَى اعْتِبَارٍ عَقْلِيٍّ، أَوْ إِطْلَاقٍ لَفْظِيٍّ، أَوِ اصْطِلَاحٍ جَدَلِيٍّ، لَا [يَرْجِعُ] إِلَى أَمْرٍ عِلْمِيٍّ أَوْ فِقْهِيٍّ.

فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْأَدِلَّةُ النَّافِيَةُ لِتَحْرِيمِ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ وَالْمُثْبِتَةُ لِحِلِّهَا: مَخْصُوصَةٌ بِجَمِيعِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنَ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ، فَلَا يُنْتَفَعُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي أَنْوَاعِ الْمَسَائِلِ إِلَّا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُجَجِ الْخَاصَّةِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ، فَهِيَ بِأُصُولِ الْفِقْهِ - الَّتِي هِيَ الْأَدِلَّةُ الْعَامَّةُ - أَشْبَهُ مِنْهَا بِقَوَاعِدِ الْفِقْهِ، الَّتِي هِيَ الْأَحْكَامُ الْعَامَّةُ.

نَعَمْ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ انْتِفَاءُ الْمَعَارِضِ فِي مَسْأَلَةٍ

<<  <   >  >>