فَأَمَّا مَنْ حَلَفَ فِي الْغَضَبِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْكَلَامِ بِمَعْنَى الْكَلَامِ لَا بِلَفْظِهِ. وَهَذَا الْحَالِفُ لَيْسَ مَقْصُودُهُ قُرْبَةً لِلَّهِ. وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ: الْحَضُّ عَلَى فِعْلٍ أَوِ الْمَنْعُ مِنْهُ. وَهَذَا مَعْنَى الْيَمِينِ، فَإِنَّ الْحَالِفَ يَقْصِدُ الْحَضَّ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوِ الْمَنْعَ مِنْهُ، ثُمَّ إِذَا عَلَّقَ ذَلِكَ الْفِعْلَ بِاللَّهِ تَعَالَى: أَجْزَأَتْهُ الْكَفَّارَةُ، فَلَأَنْ تَجْزِيَهُ إِذَا عَلَّقَ بِهِ وُجُوبَ عِبَادَةٍ أَوْ تَحْرِيمَ مُبَاحٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إِذَا عَلَّقَهُ بِاللَّهِ ثُمَّ حَنِثَ كَانَ مُوجَبُ حِنْثِهِ أَنَّهُ قَدْ هَتَكَ أَيْمَانَهُ بِاللَّهِ، حَيْثُ لَمْ يَفِ بِعَهْدِهِ. وَإِذَا عَلَّقَ بِهِ وُجُوبَ فِعْلٍ أَوْ تَحْرِيمَهُ فَإِنَّمَا يَكُونُ مُوجَبُ حِنْثِهِ: تَرْكَ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلَ مُحَرَّمٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحِنْثَ الَّذِي مُوجَبُهُ خَلَلٌ فِي التَّوْحِيدِ أَعْظَمُ مِمَّا مُوجَبُهُ مَعْصِيَةٌ مِنَ الْمَعَاصِي. فَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ شَرَعَ الْكَفَّارَةَ لِإِصْلَاحِ مَا اقْتَضَى الْحِنْثُ فَسَادَهُ فِي التَّوْحِيدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَجَبْرِهِ فَلَأَنْ يُشْرَعَ لِإِصْلَاحِ مَا اقْتَضَى الْحِنْثُ فَسَادَهُ فِي الطَّاعَةِ أَوْلَى وَأَحْرَى.
وَأَيْضًا فَإِنَّا نَقُولُ: إِنَّ مُوجَبَ صِيغَةِ الْقَسَمِ مِثْلُ مُوجَبِ صِيغَةِ التَّعْلِيقِ، وَالنَّذْرُ نَوْعٌ مِنَ الْيَمِينِ، وَكُلُّ نَذْرٍ فَهُوَ يَمِينٌ. فَقَوْلُ النَّاذِرِ: " لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ " بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، مُوجَبُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ: الْتِزَامُ الْفِعْلِ مُعَلَّقًا بِاللَّهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «النَّذْرُ حَلْفَةٌ» "، فَقَوْلُهُ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ لِلَّهِ، بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَوَاللَّهِ لَأَحُجَّنَّ.
وَطَرْدُ هَذَا: أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ بِرًّا لَزِمَهُ فِعْلُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ، فَإِنَّ [حَلِفَهُ] لَيَفْعَلَنَّهُ نَذْرٌ لِفِعْلِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute