الْمُتَقَدِّمِينَ: إِنَّ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ يَجِبُ فِيهِ الْوَفَاءُ، فَإِنَّهُ يَقُولُ هُنَا: يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ أَيْضًا. وَأَمَّا الْجُمْهُورُ الَّذِينَ قَالُوا فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ: تَجْزِيهِ الْكَفَّارَةُ، فَاخْتَلَفُوا هُنَا، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنِ الصَّحَابَةِ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ كَلَامٌ، وَإِنَّمَا بَلَغَنَا الْكَلَامُ فِيهَا عَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِهِ مُحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ تُعْرَفُ فِي عَصْرِهِمْ. وَلَكِنْ بَلَغَنَا عَنِ الصَّحَابَةِ الْكَلَامُ فِي الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَاخْتَلَفَ التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَمِينِ بِالنَّذْرِ وَقَالُوا: إِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ بِالْحِنْثِ، وَلَا تَجْزِيهِ الْكَفَّارَةُ، بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِالنَّذْرِ. هَذَا رِوَايَةُ عوف عَنِ الحسن، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وأحمد فِي الصَّرِيحِ الْمَنْصُوصِ عَنْهُ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وأبي عبيد وَغَيْرِهِمْ.
فَرَوَى حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عوف عَنِ الحسن قَالَ: " كُلُّ يَمِينٍ - وَإِنْ عَظُمَتْ، وَلَوْ حَلَفَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَإِنْ جَعَلَ مَالَهُ فِي الْمَسَاكِينِ، مَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقَ امْرَأَةٍ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ، أَوْ عِتْقَ غُلَامٍ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ - فَإِنَّمَا هِيَ يَمِينٌ ". وَقَالَ إسماعيل بن سعيد الشالنجي: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنِ الرَّجُلِ يَقُولُ لِابْنِهِ: إِنْ كَلَّمْتُكَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ؟ فَقَالَ: لَا يَقُومُ هَذَا مَقَامَ الْيَمِينِ، وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا. وَقَالَ سليمان بن داود: يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَبِهِ قَالَ أبو خيثمة، قَالَ إسماعيل: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عبد الرزاق عَنْ معمر عَنْ إسماعيل بن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute