وَهُنَا سُؤَالٌ مِمَّنْ يَقُولُ: كُلُّ يَمِينٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ فَلَا كَفَّارَةَ لَهَا وَلَا حِنْثَ.
فَيُقَالُ: لَفْظُ الْيَمِينِ يَشْمَلُ هَذَا كُلَّهُ، بِدَلِيلِ اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ اسْمَ الْيَمِينِ فِي هَذَا كُلِّهِ، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّذْرُ حَلْفَةٌ» ، وَقَوْلِ الصَّحَابَةِ لِمَنْ حَلَفَ بِالْهَدْيِ وَالْعِتْقِ: " كَفِّرْ يَمِينَكَ "، وَكَذَلِكَ فَهِمَتْهُ الصَّحَابَةُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَلِإِدْخَالِ الْعُلَمَاءِ لِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» .
وَيَدُلُّ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْآيَةِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] ، ثُمَّ قَالَ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] ، فَاقْتَضَى هَذَا: أَنَّ نَفْسَ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ يَمِينٌ، كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. وَسَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ: إِمَّا تَحْرِيمُهُ الْعَسَلَ، وَإِمَّا تَحْرِيمُهُ مارية القبطية، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ: فَتَحْرِيمُ الْحَلَالِ يَمِينٌ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ، وَلَيْسَ يَمِينًا بِاللَّهِ؛ وَلِهَذَا أَفْتَى جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ - كعمر وعثمان، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَغَيْرُهُمْ -: أَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ: إِمَّا كَفَّارَةٌ كُبْرَى كَالظِّهَارِ، وَإِمَّا كَفَّارَةٌ صُغْرَى كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ. وَمَا زَالَ السَّلَفُ يُسَمُّونَ الظِّهَارَ وَنَحْوَهُ يَمِينًا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ: لِمَ تُحَرِّمُهُ بِلَفْظِ الْحَرَامِ، وَإِمَّا لِمَ تُحَرِّمُهُ بِالْيَمِينِ بِاللَّهِ وَنَحْوِهَا، وَإِمَّا لِمَ تُحَرِّمُهُ مُطْلَقًا؟ فَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ أَوِ الثَّالِثُ: فَقَدْ ثَبَتَ [أَنَّ] تَحْرِيمَهُ بِغَيْرِ الْحَلِفِ بِاللَّهِ يَمِينٌ [فَيَعُمُّ] . وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ تَحْرِيمُهُ بِالْحَلِفِ بِاللَّهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute