للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْحَلِفَ بِاللَّهِ تَحْرِيمًا لِلْحَلَالِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْيَمِينَ بِاللَّهِ لَمْ تُوجِبِ الْحُرْمَةَ الشَّرْعِيَّةَ، لَكِنْ لَمَّا أَوْجَبَتِ امْتِنَاعَ الْحَالِفِ مِنَ الْفِعْلِ، فَقَدْ حَرَّمَتْ عَلَيْهِ الْفِعْلَ تَحْرِيمًا شَرْطِيًّا لَا شَرْعِيًّا. فَكُلُّ يَمِينٍ تُوجِبُ امْتِنَاعَهُ مِنَ الْفِعْلِ، فَقَدْ حَرَّمَتْ عَلَيْهِ الْفِعْلَ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] .

وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] ، لَا بُدَّ أَنْ يَعُمَّ كُلَّ يَمِينٍ حَرَّمَتِ الْحَلَالَ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ ذَلِكَ الْفِعْلِ. فَلَا بُدَّ أَنْ يُطَابِقَ جَمِيعَ صُوَرِهِ، لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ هُوَ سَبَبُ قَوْلِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] ، وَسَبَبُ الْجَوَابِ إِذَا كَانَ عَامًّا كَانَ الْجَوَابُ عَامًّا، لِئَلَّا يَكُونَ جَوَابًا عَنِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِلتَّعْمِيمِ. وَهَكَذَا التَّقْرِيرُ فِي قَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: ٨٧] إِلَى قَوْلِهِ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: ٨٩] .

وَأَيْضًا: فَإِنَّ الصَّحَابَةَ فَهِمَتِ الْعُمُومَ، وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ عَامَّتُهُمْ حَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ وَغَيْرِهَا.

وَأَيْضًا فَنَقُولُ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْيَمِينَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْآيَةِ الْمُرَادُ بِهَا الْيَمِينُ بِاللَّهِ، وَأَنَّ مَا سِوَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ لَا يَلْزَمُ بِهَا حُكْمٌ. فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَلِفَ بِصِفَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَالْحَلِفِ بِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: وَعِزَّةِ اللَّهِ، أَوْ لَعَمْرِ اللَّهِ، أَوْ وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ. فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ جَوَازُ الْحَلِفِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَنَحْوِهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ الْحَلِفَ بِصِفَاتِهِ كَالِاسْتِعَاذَةِ بِهَا. وَإِنْ كَانَتِ الِاسْتِعَاذَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِاللَّهِ وَصَفَاتِهِ فِي مِثْلِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، وَ «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ

<<  <   >  >>