وَقَالَ أَيْضًا: إِنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يُكَفَّرَانِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ظَاهِرٌ.
وَذَلِكَ أَنَّ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَيْسَا يَمِينًا أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ وَالْإِبْرَاءِ مِنَ الدَّيْنِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَعْتَقَ عَبِيدًا لَهُ، أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، أَوْ أَبْرَأَ غَرِيمَهُ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عِرْضٍ، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، مَا عَلِمْتُ أَحَدًا خَالَفَ فِي ذَلِكَ.
فَمَنْ أَدْخَلَ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَحْنَثْ» "، فَقَدْ حَمَّلَ الْعَامَّ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ، كَمَا أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ مِنْ هَذَا الْعَامِّ قَوْلَهُ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لَا أَفْعَلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ إِنْ فَعَلْتُهُ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَدْ أَخْرَجَ مِنَ الْقَوْلِ الْعَامِّ مَا هُوَ دَاخِلٌ فِيهِ. فَإِنَّ هَذَا الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ [وَهُنَا يَنْبَغِي تَقْلِيدُ أحمد بِقَوْلِهِ: الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ] لَيْسَا مِنَ الْأَيْمَانِ، فَإِنَّ الْحَلِفَ بِهِمَا كَالْحَلِفِ بِالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِهِمَا. وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ عَقْلًا وَعُرْفًا وَشَرْعًا. وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ أَبَدًا، ثُمَّ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ: حَنِثَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّوْهُ يَمِينًا [وَكَذَلِكَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ سَمَّوْهُ يَمِينًا] وَكَذَلِكَ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ يُسَمُّونَهُ يَمِينًا. فَمَعْنَى الْيَمِينِ مَوْجُودٌ فِيهِ، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ إِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute