شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ تَعُودُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إِلَى الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. وَالْمَعْنَى: إِنِّي حَالِفٌ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِعْلَهُ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ شَاءَهُ، فَلَا يَكُونُ مُلْتَزِمًا لَهُ، وَإِلَّا فَلَوْ نَوَى عَوْدَهُ إِلَى الْحَلِفِ، بِأَنْ يَقْصِدَ أَنِّي حَالِفٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَكُونَ حَالِفًا: كَانَ مَعْنَى هَذَا [مَعْنَى] الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِنْشَاءَاتِ، كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَعَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، تَعُودُ الْمَشِيئَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إِلَى الْفِعْلِ. فَالْمَعْنَى: لَأَفْعَلَنَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِعْلَهُ، فَمَتَى لَمْ يَفْعَلْهُ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ قَدْ شَاءَهُ، فَلَا يَكُونُ مُلْتَزِمًا لِلطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَنَى: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لُزُومَهُ إِيَّاهُ. فَإِنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَوْلُ أحمد: " إِنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ، وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يُكَفَّرَانِ " كَلَامٌ حَسَنٌ بَلِيغٌ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَ حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ وَحُكْمَ الْكَفَّارَةِ مَخْرَجًا وَاحِدًا [بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ] بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا جَمَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِنَّمَا يَقَعُ لِمَا عَلَّقَ بِهِ الْفِعْلَ، فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الَّتِي هِيَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَنَحْوُهُمَا: لَا تُعَلَّقُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ بَعْدَ وُجُودِ أَسْبَابِهَا، فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ بِوُجُودِ أَسْبَابِهَا، فَإِذَا انْعَقَدَتْ أَسْبَابُهَا فَقَدْ شَاءَهَا اللَّهُ. وَإِنَّمَا تُعَلَّقُ عَلَى الْمَشِيئَةِ الْحَوَادِثُ الَّتِي قَدْ يَشَاؤُهَا اللَّهُ وَقَدْ لَا يَشَاؤُهَا مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَنَحْوِهَا. وَالْكَفَّارَةُ إِنَّمَا شُرِعَتْ لِمَا يَحْصُلُ مِنَ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ الَّتِي قَدْ يَحْصُلُ فِيهَا الْمُوَافَقَةُ: بِالْبِرِّ تَارَةً، وَالْمُخَالَفَةِ بِالْحِنْثِ أُخْرَى. فَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْمُوَافَقَةَ وَالْمُخَالَفَةَ، كَارْتِفَاعِ الْيَمِينِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute