الموضوع، لأن هذا الموضوع لا مجال فيه للرياضيات حيث يتصل بعالم النفوس، وهو عالم يقصر العقل التجريدي عن أن يكشف سره تماما. غير أنه يمكننا القول بأن هذه الطريقة التي اتبعناها تعطي على الأقل للقارىء فرصة يتتبع فيها كيف تحدث عملية التركيب بتأثير الفكرة الدينية، وذلك بنظرة مباشرة تختلف عن نظرة التاريخ غير المباشرة.
ومما تنبغي الإشارة إليه هنا أن الفصل الذي تحدثنا فيه عن هذا الموضوع قد كتبناه في الحالة التي يكون فيها عالم الاجتماع الذي يحاول توضيح دور الفكرة الدينية في تكوين وتطوير الواقع الاجتماعي. مع العلم أن هذا الدور ليس هو كل شيء بالنسبة للفكرة الدينية. ذلك أننا قبل أن نشرع في البحث عن صلاتها بعالم الشهادة، قد تقبلنا أولا صلتها بعالم الغيب، وبعبارة أدق فإن الفكرة الدينية لا تقوم بدورها الاجتماعي إلا بقدر ما تكون متمسكة بقيمتها الغيبية في نظرنا، أي بقدر ما تكون معبرة عن نظرتنا إلى ما بعد الأشياء الأرضية. غير أن هذه النظرة ليست موضوع هذا البحث. فنحن قد خصصنا لها دراسة أخرى (١) ولذلك فإن بحثنا هنا سوف يقتصر على الجانب الاجتماعي.
ومن ناحية أخرى فإن القارىء سوف يجد في هذه الطبعة فصلا عقدناه لتوضيح العلاقة بين المبدأ الأخلاقي وذوق الجمال. وذلك لإظهار أثره الكبير كعامل يحدد اتجاه الحضارة ورسالتها في التاريخ. وأظن أن هذا الفصل هو أول بحث تناول العلاقة بين المبدأ الأخلاقي وذوق الجمال باعتبارها مقياسا من أهم مقاييس علم الاجتماع.
وبهذا فإننا نكون قد حققنا على قدر ما نستطيع إرادة القارىء في هذه الطبعة. ونحن نأمل أن نكون، فيما أضفناه من جديد، قد أشبعنا رغبات القراء التي تعتبر أحسن مسوغ لجهود المؤلف.