إن عهود الملاحم كالأوديسة والألياذة ليست هي العهود التي توجه فيها الشعوب طاقتها الاجتماعية نحو أهدافها الواقعية، سواء أكانت هذه الأهداف بعيدة أم قريبة.
بل هي تصرف في مثل هذه العهود طاقتها تسلية واشباعا لخيالاتها. وما جهود الأبطال الذين يقومون بأدوارهم في تلكم الملاحم إلا جهود من أجل الطموح واكتساب المجد أو إرضاء العقيدة، فهم لا يقاتلون مدركين أن نصرهم قريب، وأن طريقهم إلى تخليص مجتمعهم محدد واضح. فمجدهم هذا أقرب إلى الأسطورة منه إلى التاريخ.
ولو أننا سألنا أحدهم عن بواعث كفاحه، فإنه لا يستطيع أن يجد بكل وضوح المبررات التي تتصل عادة بالأعمال التاريخية، فهو يعلم أن مجهوداته كلها تذهب هباء، غير أن دوافعه الدينية وشرفه الإنساني قد حتما عليه مثل هذا السير.
ولقد كان دور الشعوب الإسلامية أمام الزحف الاستعماري خلال القرن الماضي وحتى الربع الأول من هذا القرن دورا بطوليا فقط. ومن طبيعة هذا الدور أنه لا يلتفت إلى حل المشاكل التي مهدت للاستعمار وتغلغله داخل البلاد.
إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته، ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية، وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها ... وما الحضارات المعاصرة، والحضارات أو تهدمها ... وما الحضارات المعاصرة، والحضارات الضاربة في ظلام الماضي، والحضارات المستقبلة إلا عناصر للملحمة الإنسانية منذ