لسنا هنا نهتم بالأخلاق من الزاوية الفلسفية؟ ولكن من الناحية الاجتماعية. وليس المقصود هنا تشريح مبادىء خلقية، بل أن نحدد (قوة التماسك) اللازمة للأفراد في مجتمع يريد تكوين وحدة تاريخية، هذه القوة مرتبطة في أصلها بغريزة (الحياة في جماعة) عند الفرد، والتي تتيح له تكوين القبيلة والعشيرة والمدينة ووالأمة. وتستخدم القبائل الموغلة في البداوة هذه الغريزة لكي تتجمع، والمجتمع الذي يتجمع لتكوين حضارة، فإنه يستخدم نفس الغريزة، ولكنه يهذبها ويوظفها بروح خلقية سامية.
هذه الروح الخلقية منحة من السماء إلى الأرض، تأتيها مع نزول الأديان، عندما تولد الحضارات، ومهمتها في المجتمع ربط الأفراد بعضهم ببعض، كما يشير إلى ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى:{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
ومن العجب أن نجد اتفاقاً له مغزاه ودلالته بين ما توحي به هذه الآية، وبين معنى كلمة "دين" ( Réligion) في أصلها اللاتيني فهي تعني هنالك "الربط والجمع".
وليس من شك في أن نظرات المثقفين عندنا- أي المتعلمين- إلى المدنية الغربية مؤسسة على غلط منطقي، إذ يحسبون أن التاريخ لا يتطور، ولا تتطور معه مظاهر الشيء الواحد الذي يدخل في نطاقه، حتى أنهم حين ينظرون إلى الشيء