لقد ظل العالم الإسلامي خارج التاريخ دهرا طويلا كأن لم يكن له هدف، استسلم المريض للمرض، وفقد شعوره بالألم حتى كأنه يؤلف جزءا من كيانه. وقبيل ميلاد هذا القرن سمع من يذكّره بمرضه، ومن يحدثه عن العناية الإلهية التي استقرت على وسادته، فلم يلبث أن خرج من سباته العميق ولديه الشعور بالألم. وبهذه الصحوة الخافتة تبدأ بالنسبة للعالم الإسلامي حقبة تاريخية جديدة يطلق عليها: النهضة. ولكن ما مدلول هذه الصحوة؟ إن من الواجب أن نضع نصب أعيننا "المرض" بالمصطلح الطبي لكي تكون لدينا عنه فكرة سليمة: فإن الحديث عن المرض أو الشعور به لا يعني بداهة "الدواء".
ونقطة الانطلاق هي ان الخمسين عاما الماضية تفسر لنا الحالة الراهنة التي يوجد فيها العالم الإسلامي اليوم، والتي يمكن أن تفسر بطريقتين متعارضتين: فهي من ناحية: النتيجة الموفقة للجهود المبذولة طوال نصف قرن من الزمان من أجل النهضة.
وهي من ناحية أخرى: النتيجة الخائبة لتطور استمر خلال هذه الحقبة، دون أن تشترك الآراء في تحديد أهدافه أو اتجاهاته.
ومن الممكن أن نفحص الآن سجلات هذه الحقبة، ففيها كثير من الوثائق والدراسات، ومقالات الصحف، والمؤتمرات التي تتصل بموضوغ النهضة.
هذه الدراسات تعالج الاستعمار والجهل هنا، والفقر والبؤس هناك، وانعدام التنظيم، واختلال الاقتصاد أو السياسة في مناسبة أخرى ولكن ليس فيها تحليل منهجي للمرض، أعني دراسة مرضية للمجتمع الإسلامي، بحيث لا تدع مجالاً للظن حول المرض الذي يتألم منه منذ قرون.