ففي الوثائق نجد أن كل مصلح قد وصف الوضع الراهن تبعا لرأيه أو مزاجه أو مهنته. فرأي رجل سياسي كجمال الدين الأفغاني: أن المشكلة سياسية تحل بوسائل سياسية، بينما قد رأى رجل دينٍ كالشيخ محمد عبده أن المشكلة لا تحل إلا بإصلاح العقيدة والوعظ .. الخ ... على حين أن كل هذا التشخيص لا يتنناول في الحقيقة المرض، بل يتحدث عن أعراضه.
وقد نتج عن هذا أنهم منذ خمسين عاما لا يعالجون المرض، وإنما يعالجون الأعراض، وقد كانت النتيجة قريبة من تلك التي يحصل عليها طبيب يواجه حالة مريض بالسل الجرثومي، فلا يهتم بمكافحة الجراثيم، وانما يهتم بهيجان الحمى عند المريض. والمريض نفسه يريد منذ خمسين عاما أن يبرأ من آلام كثيرة: من الاستعمار، من الأمية، من الكساح العقلي، من ...
وهو لا يعرف حقيقة مرضه، ولم يحاول أن يعرفه، بل كل ما في الأمر أنه شعر بألم، فاشتد في الجري نحو الصيدلي، أي صيدلي يأخذ من آلاف الزجاجات، ليواجه آلاف الآلام.
وليس هناك في الواقع سوى طريقتين لوضع نهاية لهذه الحالة المرضية فإما القضاء على المرض، وإما إعدام المريض.
ولنا أن نتساءل حينئذ إذا ما كان المريض الذي دخل الصيدلية دون أن يدرك مرضه على وجه التحديد، سيذهب بمحض الصدفة لكي يقضي على المرض، أو يقضي على نفسه؟
هذا شأن العالم الإسلامي: إنه دخل إلى صيدلية الحضارة الغربية طالبا الشفاء، ولكن من أي مرض؟ وبأي دواء؟ وبدهي أننا لا نعرف شيئا عن مدة علاج كهذا، ولكن الحالة التي تطّرد هكذا تحت أنظارنا منذ نصف قرن، لها دلالة اجتماعية يجب أن تكون موضع تأمل وتحليل. وفي الوقت الذي نقوم فيه بهذا التحليل يمكننا أن نفهم المعنى الواقعي لتلك الحقبة التاريخية التي نحياها، ويمكننا أيضا أن نفهم التعديل الذي ينبغي أن يضاف إليها.