للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فيجوز لنا أن نطلق على هذه الحقبة أنها (بادرة حضارة)، أو بلغة علم الإلاهيات (مرحلة إرهاص) وجه فيها العالم الاسلامي جهوده الاجتماعية هادفا إلى تحصيل حضارة.

فقد قرر على هذا ضمنا ان اتجاهه هذا يمثل بالتحديد علاج مرضه، ونحن لا يسعنا إلا أن نوافقه على هذا دون أن نفعل سوى تقرير الواقع (١)، بيد أننا نريد هكذا أيضا أن نحدد المرض ضمنا، ثم ندع للصدفة المجال اللازم لها في حالة ما إذا المريض الذي لجأ إلى الصيدلية، لكي يبرأ- كما قلنا- من مرض لا يعرف عنه شيئا محددا، سيبرأ مصادفة بدواء يتعاطاه من القنائن.

فالعالم الإسلامي يتعاطى هنا (حبة) ضد الجهل، ويأخذ هناك (قرصا) ضد الاستعمار، وفي مكان قصي يتناول (عقارا) كي يشفى من الفقر، فهو يبني هنا مدرسة، ويطالب هنالك باستقلاله، وينشيء في بقعة قاصية مصنعا. ولكنا حين نبحث حالته عن كثب لن نلمح شبح البرء، أي أننا لن نجد حضارة. ومع ذلد فهناك جهود محمودة يمكن أن نلاحظ من خلالها السلبية النسبية لجهود العالم الإسلامي، حين نقارنها بجهود اليابان مثلاً، منذ خمسين عاما، أو جهود الصين منذ عشر سنوات، فهناك شيء من الغرابة في الحالة التي نفحصها مما يدفعنا إِلى تفهم كيفية سيرها (وآليتها) ومن أجل هذا يجب أن نعرف المقياس العام لعملية الحضارة، ليلقي لنا ضوءا كاشفا على (السلبية النسبية) وانعدام الفاعلية في جهود المجتمع الإسلامي. إن المقياس العام في عملية الحضارة هو أن: " الحضارة هي التي تلد منتجاتها " وسيكون من السخف والسخرية حتما أن نعكس هذه القاعدة، حين نريد أن نصنع حضارة من منتجاتها.

يضاف إلى هذا أن القاعدة في علم الاجتماع ليست كنظيرتها في علم الرياضة، حدا صارما بين الحق والباطل، والخطأ والصواب، ولكنها مجرد توجيه


(١) يمكن معرفة نظرية المؤلف مفصلة عن المرضوع في كتابه "الأفريقية الآسيوية" الجزء الأول- الفصل الثالث حيث أن مشكلة الإنسان هي مشكلة الحضارة فقط.

<<  <   >  >>