تبرز أهمية الفن الجميل في أحد موقفين: فهو إما داع إلى الفضيلة، وإما داع إلى الرذيلة، فإذا ما حددت الأخلاق مُثُله، وغذى الجمال وحيه، فينبغي عليه أن يحدد هو وسائله وصوره الفنية للتأثير في الأنفس.
ويبرز خطر الفن عندما يشرع في تقرير هذه الوسائل التي تجعله مربياً أو مفسداً، وذلك حسبما يختار من الصور والالحان- فالرقصة مثلاً إما أن تكون قصيدة شعرية، أو حركة جنسية، وهي على كل حال طريقة الطير في التقرب من أنثاه، وهي أيضا للرجل في شأنه مع المرأة.
غير أن الرقصة تطورت عند الانسان، فأصبح فيها شيء من الشعر عند اليونان، وشيء من التصوف في طقوس بعض الأديان، وفي كل هذه التطورات نجد الأخلاق قد حددت أهدافها ومراميها، وبقيت الوسيلة التي تعطي الرقصة صورتها الفنية، فالتقرب من المرأة قد يكون بغزل شريف، وقد يكون بغير ذلك، والهدف واحد، ومن المؤسف أن الرقصة عندنا قد أصبحت صورة جنسية فقط، بينما هي قد اتخذت لها عند اليونان صورة شعرية، وأصبحت في بلادنا أيضا مشوهة للذوق، لأنها اتخذت وسيلتها إلى النفوس الغريزة الجنسية فقط.
فإذا ما فهمنا الفن على هذه الصورة، فإننا نستطيع أن نوسع نطاقه حتى يشمل طريقة المشي في الشوارع، وكيفية شرب الماء، وكيفية التثاؤب في المجتمعات العامة، غير أن المجال لا يتسع لكي تضم هذه السطور القليلة كل هذا.