للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

دَوْرُ السِّيَاسَةِ وَالْفِكْرَةِ

إن الكلمة لَمِن روح القدس، إنها تساهم إِلى حد بعيد في خلق الظاهرة الاجتماعية، فهي ذات وقع في ضمير الفرد شديد، إذ تدخل إِلى سويداء قلبه، فتستقر معانيها فيه، لتحوله إلى إنسان ذي مبدأ ورسالة.

فالكلمة يطلقها إنسان، تستطيع أن تكون عاملاً من العوامل الاجتماعية حين تثير عواصف في النفوس تغير الأوضاع العالمية.

وهكذا كانت كلمة جمال الدين، فقد شقت كالمحراث في الجموع النائمة طريقها، فأحيت مواتها، ثم ألقت وراءها بذورا لفكرة بسيطة: فكرة النهوض، فسرعان ما آتت أكلها في الضمير الإسلامي ضعفين، وأصبحت قوية فعالة، بل غيرت ما بأنفس الناس من تقاليد، وبعثتم إلى أسلوب في الحياة جديد.

وكان من آثار هذه الكلمة أن بعثت الحركة في كل مكان، وكشفت عن الشعوب الإسلامية غطاءها، ودفعتها إلى نبذ ما كانت عليه من أوضاع ومناظر، فانكرت من أمرها ما كانت تستحسن، واتخذت مظاهر جديدة لا تتلاءم حتى مع ثيابها التي كانت تلبسها، فنبذت النرجيلة والطربوش والحرز والزردة (١). ولقد يلغ تأثير تلك القوة الفعالة الجزائر فأخذت منها بنصيب.

فمأساة الجزائر مثلاً حتى سنة ١٩١٨ لم تكن إلا رواية صامتة، أر أثرا من الآثار التاريخية وضع في متحف، أي في صدور قوم صامتين يعلمون السر الخفي للمأساة، حتى أرّقت ضمائرهم، واحتوته أيضا ملفات الحكومة التي كانت تعلم من أمرها ما تعلم، حتى إذا ظهرت الفكرة الإصلاحية حوالي سنة ١٩٢٥ تحركت المشكلة الجزائرية، وقد أوتيت لسانا ينطق، وفكرة تنير لها الطريق.


(١) هي الوليمة التي يقيمها رجال الطرق في أحفالهم، ويطلق عليها العوام في مصر "الفتة".

<<  <   >  >>