ولم يكن هناك في الحقيقة من يسجل هذه الحقبة من كفاح الشعوب ضد الاستعمار سوى هؤلاء المجاهدين من رجال القبائل، ولقد كان الأمير (عبد الكريم الخطابي) آخر من ارتشف من كأس البطولة الموروثة عن أجدادنا الأول، ولم يبق بعده باق ممن يهبون للنضال ضد المستعمر، من أجل البطولة المجردة، في سبيل الخلود، على سنة الذين عقدوا ألويتهم للكفاح، فقد كانت القبائل العربية البربرية تقاتل معه لا من أجل البقاء، ولكن في سبيل الخلود، ولقد كتب لها الخلود بما أوتيت من روح رفعتها فوق الهاوية، حيث هوى الآخرون، من الشعوب التي غمرتها موجة الاستعمار. فليسأل السائل عن مصير القبائل الأمريكية قبل كريستوف كولومب، أين هي؟ لقد أصبحت أحاديث وتمزقت كل ممزق، ودفنها التاريخ في طياته، حيث استقرت في ضميره نسيا منسيا، ونحن نرى في زوالها وانحلالها خير شاهد على أن الإسلام بما انطوى عليه من قوة روحية، كان للذين يتمسكون به درعا من أن تحطمهم الأيام، أو يذوبوا في بوتقة المستعمِر، يتقمصون شخصيته.
ولكن شمس المثالية ما تزال تواصل سيرها، وسرعان ما انبلج الفجر في الأفق الذي يدعو فيه المؤذن إلى الفلاح، كل صباح، ففي هدأة الليل، وفي سبات الأمة الإسلامية العميق، انبعث من بلاد الأفغان صوت ينادي بفجر جديد، صوت ينادي: حيَّ على الفلاح! فكان رجعه في كل مكان، إنه صوت (جمال الدين الأفغاني) موقظ هذه الأمة إلى نهضة جديدة، ويوم جديد.