للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عام يمكن به تجنب الأغلاط الفاحشة، إذ لا يمكن أن يوجد حد دقيق بين حضارة تتكون، وبين حضارة تكونت فعلاً. ونحن في القرن العشرين نعيش في عالم يبدو فيه امتداد الحضارة الغربية قانونا تاريخيا لعصرنا. ففي الحجرة التي كتب فيها الآن كل شيء غربي. فيما عدا (القلة) التي أراها أمامي. فمن العبث إذن أن نضع ستارا حديديا بين الحضارة التي يريد تحقيقها العالم الاسلامي، والحضارة الحديثة.

ولكن هذا يجسم المشكلة بأكملها، فليس من الواجب لكي ننشىء حضارة أن نشتري كل منتجات الأخرى. فإن هذا يعكس القضية التي سبق أن قررناها، وهو يقود في النهاية إلى عملية محالة كما وكيفا:

فمن ناحية الكيف: تنتج الاحالة من أن أي حضارة لا يمكن أن تبيع جملة واحدة لأشياء التي تنتجها، ومشتملات هذه الاشياء. أي أنها لا يمكن أن تبيعنا روحها وأفكارها وثرواتها الذاتية، وأذواقها، هذا الحشد من الأفكار والمعاني التي لا تلمسها الأنامل. والتي توجد في الكتب أو في المؤسسات، ولكن بدونها تصبح كل الأشياء التي تبيعنا إياها فارغة، دون روح، وبغير هدف.

وهي بوجه خاص تمنحنا ذلك العديد الهائل من العلائق التي لا توصف، والتي تبعثها أي حضارة داخل أشيائها وأفكارها من جانب، وبين هاتين المجموعتين والإنسان من جانب آخر.

وفي استخدامنا للمصطلحات البيولوجية نجد أن الحضارة مجموعة من العلائق بين المجال الحيوي (البيولوجي) حيث ينشأ ويتقوى هيكلها، وبين المجال الفكري حيث تولد وتنمو روحها؛ فعندما نشتري منتجاتها فإنها تمنحنا هيكلها وجسدها لا روحها.

ومن ناحية الكم: لن تكون الإحالة أقل، فليس من الممكن أن نتخيل العديد الهائل من الأشياء التي نشتريها، ولا أن نجد رأس المال الذي ندفعه فيها.

ولئن سلمنا بإمكان هذا فإنه سيؤدي قطعا إلى الاحالة المزدوجة، فينتهي بنا الأمر

<<  <   >  >>