للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إلى ما أسميه (الحضارة الشيئية) إلى جانب أنه يؤدي إلى "تكديس" هذه الأشياء الحضارية. ومن البين أن العالم الإسلامي يعمل منذ نصف قرن على جمع أكوام من منتجات الحضارة، أكثر من أن يهدف إلى بناء حضارة، وقد تنتهي هذه العملية ضمنا إلى أن نحصل على نتيجة ما، بمقتضى ما يسمى بقانون الأعداد الكبيرة، أعني قانون الصدقة، فكوم ضخم من المنتجات المتزايدة دائما، يمكن أن يحقق على طول الزمن، وبدون قصد (حالة حضارة)، ولكنا نرى فرقا شاسعا بين هذه الحالة الحضارية، وبين تجربة مخططة كتلك التي ارتسمتها روسيا منذ أربعين عاما، والصين منذ عشر سنوات، هذه التجربة تبرهن على أن الواقع الاجتماعي خاضع لنهج فني معين، تطبق عليه فيه قوانين (الكيمياء الحيوية) و (الديناميكية الخاصة) سواء في تكونه أم في تطوره.

ومن المعلوم أن عملية التحلل الطبيعي (للأورانيوم) لا تدخل في نطاق القياس الزمني للانسان، اذ ان كمية معينة من هذه المادة، ولتكن جراما، يتحلل نصفها طبيعيا خلال أربعة مليارات وأربعمائة مليونا من السنين. ولكن العمل الكيميائي قد توصل إلى أن تتم العملية الفنية للتحلل في بضع ثوان.

وبالمثل نجد أن عوامل التعجيل بالحركة الطبيعية بدأت تلعب دورها الكامل في دراسات الاجتماع، كما هو مشاهد في التجربة الخالدة لليابان، فمن عام ١٨٦٨ إلى ١٩٠٥ انتقلت من مرحلة العصور الوسطى. أو ما سبق أن أطلقت عليه (بادرة الحضارة) إلى الحضارة الحديثة. فالعالم الاسلامي يريد أن يجتاز نفس المرحلة بمعنى أنه يريد انجاز مهمة (تركيب) الحضارة في زمن معين، ولذا يجب عليه أن يقتبس من الكيمياوي طريقته، فهو يحلل أولا المنتجات التي يريد أن يجري عليها بعد ذلك عملية التركيب. فإذا سلكنا هنا هذا المسلك قررنا أن كل ناتج حضاري تنطبق عليه الصيغة التحليلية الآتية:

ناتج حضاري = انسان + تراب (١) + وقت.


(١) تجنبنا قصدا ان نستخدم في هذه المعادلة مصطلح (مادة) وفضلنا عليه مصطلع (تراب)
=

<<  <   >  >>