عليه (مركِّب الحضارة) أي العامل الذي يؤثر في مزج العناصر الثلاثة بعضها ببعض، فكما يدل عليه التحليل التاريخي الآتي مفصلا، نجد أن هذا (المركِّب) موجود فعلا، هو الفكرة الدينية التي رافقت دائما تركيب الحضارة خلال التاريخ، فإذا اتضح صدق هذه الاعتبارات عن التفاعل الكيميائي الحيوي وعن ديناميكية الواقع الاجتماعي كان لنا أن نخطط بطريقة ما، مجال تطوره كاطراد مادي نعرف قانونه. وفي الوقت تفسه يسمح لنا ذلك بالقضاء على بعض الأخطاء التي يشعها ما يطلق عليه (أدب الكفاح) في العالم الاسلامي، حيث يزكي ضمنا الاتجاه نحو التكديس.
من هذا الأدب الذي يبدي أحيانا الايمان المضطرم، والأصالة الصادقة، يتحول (التكديس) من نطاق الأحداث البسيطة الناتجة عن الصدفة، إلى نطاق الفكرة الموجهة، لقد هضمناه جملة، وتمثلناه في سلوكنا. ولنقرأ مثلا العبارة التالية (١): ((لقد سار العالم العربي في طريق هذه الحضارة، التي يسميها الناس "الحضارة الغربية" وما هي إلا حضارة إنسانية استمدت أسسها من حضارات انسانية عديدة، ومنها الحضارة العربية الإسلامية، وساهم ويساهم في إغنائها شرقيون وغربيون، ملاحدة ومؤمنون، ولا رجوع للعالم العربي عن هذا الطريق ولانكسة)).
لا شك اننا نتذوق الجمال الأدبي، والتوقيع الموسيقي في هذه العبارة، ولكن أخشى ما نخشاه أنها تترجم عن تفاؤلية صالحة لأن تقلل في أذهاننا من خطورة المشكلة.
أخشى ما نخشاه أن تنسينا أن كل ما ساهمنا ونساهم به في الإطار الغربي الذي نعيش فيه اليوم هو (القلة)، والقلة فقط.
وأخشى ما نخشاه أخيرا من تفاؤلية كهذ تدعيمها وتكثيرها للاتجاهات المؤسفة نحو "التكديس" في العالم الاسلامي.
(١) من كتاب: "هذا العالم العربي" [ص:٣١٤] تأليف الاستاذين نبيه فارس وتوفيق حسين.